قراءة في كتاب شبت إنليل (تل ليلان) حاضرة الجزيرة السورية في القرن 18 ق.م ــ رستم عبدو
صدر للباحث أ. د. فاروق اسماعيل, المتخصِّص في تاريخ الشرق القديم واللغات السامية, كتاب شبت إنليل (تل ليلان) حاضرة الجزيرة السورية في القرن 18 ق.م, عن دار الزمان/ دمشق, عام 2019.
يقع الكتاب في 190 صفحة من القطع المتوسط, وهو كتاب يتناول تاريخ شبت إنليل/ شخنا (تل ليلان) أحد اهم المواقع الأثرية في سوريا والشرق الأدنى خلال الألفين الثالث والثاني ق.م.
يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول وخاتمة فيها جدول بأسماء المواقع القديمة ثم قائمة بالمراجع العربية والأجنبية.
يتطرَّق الباحث في كتابه لـ نصوص مسمارية كانت عبارة عن مراسلات متبادلة بين هذه الممالك, من ضمنها مراسلات “شمشي” أدو مع ابنه ملك ماري “يسمخ أدو”, النصوص التي وجدت ضمن أرشيفات (محفوظات) ممالك قديمة كـ ماري (تل الحرير) وأشنكم (جاغربازار) في سوريا, وششرا (شمشارة), وقطارا (تل الرماح) في العرق, ويذكر ما ورد في هذه النصوص من معلومات عن شبت إنليل التي عدت بمثابة العاصمة الثانية لـ “شمشي أدو” خلال القرن الثامن عشر ق.م.
ثم ينتقل للإشارة إلى الموقع الجغرافي لـ “شبت إنليل” الواقع على نهر الجراح جنوب شرق القامشلي في قرية تعود ملكيتها لـ آل علي يوسف من عشيرة كاسان الكردية ويذكر فيها مساحة المدينة التاريخية القديمة التي تقدر بـ90 هكتاراً وكذلك يتطرق إلى مواسم التنقيب التي جرت على يد البعثة الأمريكية بإدارة هارفي وايس منذ عام 1978 حتى عام 2008.
ثم يستطرد مراحل الاستيطان في الموقع الذي يبدأ من الألف الخامس ق.م حتى أواخر القرن الثامن عشر ق.م ويذكر من خلالها أهم المكتشفات الأثرية كالفخاريات والكتل المعمارية المتمثلة بالبيوت السكنية والسوق التجاري والقصور والمعابد الذي عدّ احداها أقدم واضخم المعابد في الألف الثاني ق.م “يعتبر المعبد ذي الأعمدة الحلزونية أحد أقدم المعابد التي توصف بالمعابد ذات المعبد المستطيل وكذلك احد أضخم المعابد في الألف الثاني ق.م”.
ثم يتطرق لمراحل اكتشاف النصوص الكتابية وأنماطها وتاريخها واللغة المدونة عليها ومجموعها (التي وصلت لـ 1350 رقيم مسماري وعدد كبير من الكسر) والمواضيع التي تناولتها هذه النصوص سواء في المجال الإداري/ الاقتصادي أو الرسائل المتبادلة/ الرسائل الدبلوماسية أو المعاهدات السياسية أو النصوص التعليمية.
ووردت في هذه النصوص حركة المواد الواردة إلى القصر والصادرة منها والتي كانت تشمل البيرة (الجعة) والخمر والمواشي والخشب والمنسوجات والمعادن والزيوت والعسل وأنواع من الخضار والحبوب والسمك, كذلك أشارت النصوص إلى طبيعة السكان (التنوع العرقي والإثني) “كانت تتكون من الأموريين والحوريين وغيرهم من القاطنين” وإن كانت نسبة الحوريين هي الأعلى (29%) وفقاً للنسب المذكورة وكذلك التنوع الديني “أن المدينة كانت تتخذ نحو50 معبوداً تحمل أسماء حورية وأكادية وأمورية”..
ثم يتحدث الباحث عن الأختام الاسطوانية وطبعاتها المكتشفة في “شبت إنليل” التي تعود إلى الألفين الثالث والثاني ق.م والتي بمجملها كانت عبارة عن رسومات تصور مشاهد دينية وإدارية وسياسية.
ثم ينتقل للحديث عن تاريخ المدينة التي عرفت خلال الألف الثالث ق.م باسم “شخنا” والتي ظهرت في عام 2600 ق.م كقوة سياسية مركزية قبل أن تهجر أواخر الألف الثالث ق.م, ويعاد بناؤها مرة أخرى على يد “شمشي أدو” في عام 1792 ق.م باسم شبت إنليل حيث بدت قوية ومهمة كما ذكرنا أعلاه, وكيف أنها شهدت الاستقرار والازدهار وتمتعت بنظام حكم ملكي مركزي قبل أن تتحول إلى نظام دويلات المدن مع موت “شمشي أدو” عام 1776 ق.م.
بعد موت “شمشي أدو” أصبحت المدينة تعرف مرة أخرى باسمها القديم “شخنا”، حيث دخلت بعلاقات طيبة مع ماري الذي كان يحكمها آنذاك “زمري ليم” (1775-1762) ق.م. وقد ذكرت النصوص أسماء ثلاثة حكام من “شخنا” في تلك الفترة وهم “توروم نتكي” وابنيه “زوزو نتكي” و”خايا أبوم” “الاسم الأول والثاني تحمل معاني حورية، أما الثالث فيحمل معنى أموري”.
حيث أن المدينة شهدت المدينة في عهدهم الاستقرار والازدهار السياسي قبل إخضاعها للسيطرة العيلامية عام 1767 ق.م إثر تحالف بين العيلاميين وبين الكوتيين وقوات من أشنونا. في عام 1765 ق.م خسرت عيلام نفوذها في المنطقة ودخلت “شخنا” في علاقات تعاون مع مملكة يمخد (حلب) قبل أن تسود أجواء من التوتر بينهما ليدخلا بعدها في صراعات وتحالفات جديدة “حلف أندريج (تل خوشي الواقع جنوب شنكال “سنجار”) المدعوم من يمخد وحلف شخنا وكردا (بلدة شنكال)”.
استطاعت “شخنا” التي كانت عاصمة لبلاد أبوم الحفاظ على مكانتها الطبيعية حتى قام “سمسو إيلونا” بتدمير المدينة خلال عامي 1727- 1728 ق.م .
تأتي أهمية هذا الكتاب كونه من ناحية يتطرق لتاريخ أحد أهم الموقع الأثرية في سوريا والشرق القديم خلال فترتي البرونز القديم والوسيط، ومن ناحية أخرى كونه يتطرق لتاريخ موقع هام في الجزيرة السورية (حوض الخابور), المنطقة التي طالما افتقرت للمعلومات التاريخية قياساً بالكم الهائل من المواقع الأثرية التي تتميز بها.