فن الرواية في مصر.. نشأتها وأبرز الروائيين – هبة سلطان

الرواية هي أحد فنون الكتابة، تصور لنا الواقع بأحواله وتحولاته، ماضيه وحاضره ومستقبله، فهي وإن كانت موغلة في الخيال، إلا أنها محملة بدلالات اجتماعية وسياسية وفكرية، فالعلاقة دائماً بين الأدب والواقع علاقة انعكاسية.
لذلك ظهر لكل مجتمع أدباءه بأفكارهم ومواقفهم السياسية والحياتية الواضحة في كثير من الأمور، والمجتمع المصري زاخر بالأحداث اليومية، مما جعلته مادة ثرية لأي فنان أو أديب، فهو ملهم لكثير من القصص والحكايات، ابتداءً من محمد حسنين هيكل في أول رواية مصرية حديثة وهي (زينب) التي تصور البيئة الريفية المصرية، ونشرت عام ١٩١٣. ثم عميد الأدب العربي د. طه حسين بروايته القصيرة (خطبة الشي)، لتتوالى أعماله الأدبية والتي أثير الجدل حول الكثير منها مثل رواية (حديث الأربعاء)، (دعاء الكروان)، (البؤساء)، وتعتبر (ملحمة الأيام) وهي سيرته الذاتية من أروع ما قدمه عميد الأدب العربي لفن الرواية.
وقد تأثر المجتمع المصري والعربي أيضاً بأحداث الحرب العالمية الأولى والثانية، وتغيرت الكثير من المفاهيم، وموازين المجتمع، وعلي الرغم من ذلك لم يكن للحرب العالمية الأولى تأثير واضح على الرواية المصرية، على عكس الحرب العالمية الثانية التي تزامنت مع نشأة الرواية في مصر، ومن أبرز الروائيين الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية مرورا بفترة الخمسينيات والستينيات، والسبعينات حتى التسعينيات، نجيب محفوظ، يحيى حقي، توفيق الحكيم.
الكاتب الكبير نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام ١٩٨٨، تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها سمة متكررة هي الحارة مثل رواية (خان الخليلي)، (زقاق المدق)، (بداية ونهاية)، (ملحمة الحرافيش) وهي تصور عصر الفتوات، (العائش في الحقيقة)، (أولاد حارتنا) التي منعت من النشر بسبب ما أثير حولها من جدل.
وقد صنف نتاجات الكاتب نجيب محفوظ بالأدب الواقعي، خاصة بعد كتاباته الثلاثية، ثلاثية القاهرة، (بين القصرين)، (قصر الشوق)، (السكرية)، تصور الرواية قصة أسرةتنتمي للطبقة المتوسطة، تعيش بين القاهرة ومنطقة الحسين في فترة ماقبل وأثناء ثورة ١٩١٩.يتحدث الجزء الأول من الرواية عن أب متسلط، زوجة ضعيفة، وثلاث أبناء، وبنتيين. فيما الجزء الثاني ينتهي بوفاة أحد أولاده في أحداث ثورة ١٩١٩، ويتعرض من خلال هذا الجزء الي كل التغييرات التي حدثت في المجتمع، حتي وفاة زعيم الأمة سعد زغلول. أما الجزء الثالث من الرواية فتتحدث عن مرحلة ما بعد الثورة، وتقلبات المجتمع.وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ لم يسبق له زيارة الصين، إلا أن رواياته الأدبية لعبت دوراً كبيراً في التبادلات الثقافية بين مصر والصين، وقد احتفلت جامعة بكين بمئوية ميلاد محفوظ عام ٢٠١٢.
ومن رواد الرواية في تاريخ الأدب العربي، توفيق الحكيم الذي كان له تأثير كبير على أجيال متعاقبة من الأدباء، أهم رواياته: (يوميات نائب في الأرياف)التي تصور حوادث وقصص في أحد المناطق الريفية بمصر، عندما كان يعمل توفيق الحكيم بالقضاء، ومعاناته الشخصية للجو الريفي، خاصة أنه من أهل القاهرة، وقد كتبت الرواية عام ١٩٣٧. وهناك رواية (المرأة التي غلبت الشيطان).
وكذلك إحسان عبد القدوس، وهو ابن الصحفية روز اليوسف، تميز أدبه بنقلة متميزة في فن الرواية، فقد نجح فى الخروج من المحلية للعالمية، واهتم أدبه بقضايا وشئون المرأة في المجتمع المصري والعربي. أهم رواياته (لا تطفئ الشمس)، (أنف وثلاث عيون)، (إمبراطورية ميم)، (في بيتنا رجل)، (سنوات الشقاء والحب).
أما في العصر الراهن، فظهر العديد والعديد من الروائيين المعاصرين أهمهم: يوسف القعيد، نوال السعداوي، نبيل فاروق، فهمي هويدي، بهاء طاهر، أحمد مراد، علاء حامد، يوسف زيدان.
وقد أثار الكثير منهم بروايته الجدل مثل الروائي علاء حامد صاحب رواية (مسافة في عقل رجل)، ورواية (محاكمة الإله)، وقد رأى الكثير أن في هذه الروايات تطاول وازدراء للأديان، خاصة ظهورها في الوقت الذي أثيرت فيه رواية (آيات شيطانية) لسلمان رشدي جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والأدبية.
أما الروائية نوال السعداوي وهي أحد أبرز الكاتبات المصريات، فقد أثارت الجدل حولها كثيراً، وكتبت العديد من الكتب دفاعاً عن المرأة، واشتهرت بمحاربتها للختان، ورشحت نفسها للانتخابات الرئاسية عام 2005م. ومن رواياتها رواية (موت الرجل الوحيد على الأرض)، (تعلمت الحب)، (جنات وإبليس)، (سقوط الإمام)، (الحب في زمن النفط)، (امرأة عند نقطة الصفر).
وبالنسبة للروائي أحمد مراد، فهو من الروائيين الشباب، وقام بكتابة العديد من الروايات مثل (الفيل الأزرق)، (أرض الإله)، (رواية ١٩١٩)، (الأصليين)، (فيرتيجو)، وتحولت أغلب أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية، ومسلسلات درامية، وقد أثارت رواية (أرض الإله) جدلاً واسعاً لاتهام البعض للكاتب أحمد مراد باقتباس الرواية من رواية (فرعون ذا الأوتاد) للكاتب أحمد سعد الدين.
أما نبيل فاروق، فهو كاتب وطبيب مصري معروف، اشتهرت سلسلة روايته (رجل المستحيل) في شكل كتب جيب، ولاقت قصصه نجاحاً كبيراً خاصة عند فئة الشباب والمراهقين.
وللروائي يوسف زيدان العديد من الروايات مثل (عزازيل)، (شجون مصرية وعربية)، (غوانتانامو)، (ظل الأفعى)، ولم تثير روايته الجدل أكثر من آرائه الصادمة، فظهر معارض ومؤيد، ولم تنتهي معركة آرائه الصادمة على شيء يذكر.
الرواية هي أن نأخذ من واقعنا لنصنع خيالاً، ونصيغ الخيال كأنه واقع، حتي نستطيع تغيير الواقع، أو على الأقل القدرة على تقبله، هي في النهاية قصة حياتنا تكتب بأشكال مختلفة، ودائماً ما يضع الكاتب النقطة الأخيرة في خاتمة الرواية، وكأنها نهاية لقصة تولد منها ملايين القصص والروايات.
*نُشرت هذه المادة في العدد السابع من مجلة شرمولا / صيف 2020