أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

السياسي والمثقف السوري “عبد القادر موحد” لـ شرمولا: ليس لدينا كسوريين خيار آخر، إن لم نتحاور ونتفق على طريق للحل والخلاص فالبديل سيكون الكارثة وإدامة الحرب

 

حاوره: دلشاد مراد

 

أجرت مجلتنا حواراً مع السياسي والمثقف السوري “عبد القادر موحد” عضو الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطية ومن مؤسسي “فسحة حوار” الثقافي في الرقة، حول أهمية الحوار بين الثقافات والشعوب في منطقة الشرق الأوسط، وعن مبدأ “أخوة الشعوب”، ورؤى حل الأزمة السورية، وعن “فسحة حوار” الثقافي.

 

ـ مرحبا بك الأستاذ عبد القادر موحد، هل التعايش والتواصل الحضاري بين أفراد المجتمعات والثقافات المختلفة خيار أم ضرورة حياتية ولماذا؟

نحن كبشر نشغل هذا الحيز من الكون الفسيح والذي اسمه كوكب الأرض، هو بيتنا الكبير المشترك والذي نتشارك موارده ويشكل بيئتنا الحيوية وهو وطننا كمخلوقات بشرية، أنشطتنا تجاه هذه الموارد وتجاه بعضنا تؤثر في سلامة وديمومة وجودنا، ومن ناحية أخرى فان تطورنا وتقدمنا وامتلاكنا لزمام حياتنا لا يمكن أن يتم الا من خلال جهد جماعي مشترك يتحمل فيه كل أفراد وجماعات الوجود الإنساني مسؤولياتهم تجاه وجودهم وتجاه حامل هذا الوجود.

بهذا المعنى فإن الحوار والتعاون من أجل تقدم البشرية واستثمارها الأمثل، المتوازن والعادل لموارد الطبيعة يشكل ضرورة حياتية ترتبط بعوامل استقرار واستمرار هذا الوجود. وجودنا واستمراره وتفتحه مرتبط بطريقة إدارتنا لعلاقاتنا مع بيئاتنا الاجتماعية والطبيعية، ولذا فإن المسار الآخر الناجم عن ضيق الأفق والتعصب سيكون مدمراً وقاتلاً.

على الرغم من أن الحوار ضرورة حياتية، الا أنه وللأسف فان البشر لا يتبعون دائماً الضرورات وقد تنحاز خياراتهم باتجاه سلوكيات ومواقف تناقض ضروراتهم الحياتية، وذلك في كثير من الأحيان نتيجة لضيق الأفق وتفضيل المصالح الوهمية الآنية على المصلحة الحقيقية الدائمة، فالحوار والتعايش بهذا المعنى ضرورة حياتية يجب أن نختارها وننحاز إليها.

 

السياسي والمثقف السوري عبد القادر موحد

 

ـ تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعاً عرقياً لا مبرر له، ولذلك فأن هناك حاجة ضرورية للحوار بين الثقافات والشعوب في منطقة الشرق الأوسط، كيف يتحقق ذاك الحوار برأيكم؟

بداية انا لا أوافق على توصيف الصراع بأنه صراع عرقي، قد يكون الأقرب الى الصواب هو وصفه بأنه صراع سياسي واقتصادي بين أصحاب المصلحة، يستخدم أدوات عرقية أو دينية من أجل حشد الجماهير والشعوب وراء خيار السلطات وبالتالي وقوداً في معارك السلطة ومصالحها.

يحتاج الحوار ونجاحه أولاً إحداث تغييرات جوهرية في بنية ومفهوم الدولة وأدوارها في الشرق الأوسط، وإنجاح التحول الديمقراطي بحيث تكون السلطة معبراً عن إرادة ومصالح الشعوب لا مصالح الفئات الحاكمة.

أيضاً يحتاج الحوار إلى الاستفادة من دروس وعبر الصراعات والحروب حيث أنها لم تؤدي الى أي نتائج سوى المزيد من الدمار والمزيد من العنف والتطرف، يجب أن يقتنع الجميع أن لا أحد قادر على إلغاء الآخر وفرض رؤية أحادية على الآخرين، فالاختلاف طبيعة بشرية لا يمكن إنهاؤها. ولا خيار إلا القبول بهذا الاختلاف والبحث عن سبل لإدارته سلمياً وتحويله الى عامل غنى وبناء بدل أن يكون عامل صراع وتوتر.

إن تغيير النمط الثقافي والذهنية السائدة والإيمان بأن الحضارة منجز بشري مشترك ولا توجد ثقافة معزولة تنشأ أو تستمر بقواها الذاتية, وفهم الأسباب الحقيقية للمظالم التي تقع على الشعوب وارتباطها بمصالح سلطات سياسية واقتصادية هي أيضاً أدوات معرفية مهمة للبدء بحوارات تساهم بضمان وديمومة الاستقرار والتأسيس لازدهار المنطقة.

يجب علينا الابتعاد عن المواقف الحدية والاستعداد لتقديم تنازلات، على كل طرف أن يكون مستعداً للتقدم الى منطقة التوافقات والمشتركات، والاستعداد للتخلي عن بعض المصالح الآنية المباشرة من أجل صالح عام دائم واستراتيجي.

 

ـ ما هي رؤى مجلس سوريا الديمقراطية في حل الأزمة السورية؟ وإلى أي درجة يمكن أن يعطي إطلاق حوار سوري- سوري نتائج إيجابية في هذا السياق؟

يؤكد مجلس سوريا الديمقراطية على الحل السياسي والابتعاد عن فرض الخيارات بالعنف، فالحل من وجهة نظر المجلس يقوم على توافق قوى ومكونات الشعب السوري حول مجمل القضايا الخلافية وهذا يرتكز على رفض الاستبداد والتطرف والاعتراف بالتعددية الثقافية والعرقية والدينية للشعب السوري وإعطاء المرأة دوراً ريادياً في عملية التحول الديمقراطي وإعادة بناء سوريا الوطن.

فمجلس سوريا الديمقراطي ينطلق من الاعتراف بالهوية المركبة ذات المحتوى المتعدد للشعب السوري ويحدد الهدف بالانتقال الديمقراطي بالاعتماد على طاقات وقوى كافة مكونات الشعب وفي الريادة منهم المرأة.

كل ما ليس مستحيلاً يتحقق، وهذا ما يؤمن به مجلس سوريا الديمقراطية بخصوص مخرجات ونتائج الحوارات البينية للسوريين. النتائج الإيجابية المرجوة من الحوار مرتبطة بالسوريين أنفسهم، مدى احساسهم بالمسؤولية الوطنية أولاً. وتوافر الارادة السياسية لإنجاح هذه الحوارات ثانياً، ونحن نلمس في مجلس سوريا الديمقراطية ومن خلال الحوارات المستمرة مع مختلف القوى السياسية السورية توافر العوامل المساعدة لإنجاح هذه الحوارات.

 

ـ  ماذا عن الحوارات التي جرت في أوقات سابقة – وإن لم تكن رسمية- بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية المركزية في دمشق؟ ولِم لَم تتوصل تلك الحوارات إلى أي نتائج إيجابية أو حل ينهي حالة الجفاء بين الطرفين؟

عندما تكون الأهداف من الحوار متعارضة فبالتأكيد لن يكون هناك نتائج مشجعة، تسعى الادارة ومن خلال الحوار مع سلطة دمشق إلى الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في شمال وشرق سوريا، عبر محاولات اقناع النظام بأن عجلة الزمن لن تعود الى الوراء ومن الواجب التعامل مع الوقائع والمتغيرات التي حصلت بعد العام 2011, فمشروع الإدارة الذاتية لا يشكل أي تهديد لوحدة وسلامة سوريا بل العكس، إذ أن مشروع الإدارات الذاتية والاعتراف بالتعددية سيشكلان قوة لسوريا الوطن وعاملاً أساسياً في تعزيز وحدة وتماسك السوريين على أسس من القبول والاعتراف المتبادل وإثراء التعدد والتنوع السوري وإظهاره ليكون عامل قوة ورافعة حضارية.

سلطة دمشق لم تستفد من دروس السنوات السابقة وما زال أصحاب القرار في دمشق لا يستطيعون احتمال وجود رأي أو فكر أو مشروع لا ينبع من أيديولوجيا القومية والاستبداد ومشاريع تأبيد السلطة.

واليوم مع أوهام السلطة في دمشق بانتصارها على الشعب السوري فهي لا تفهم سوى عودة هذا الشعب الى بيت الطاعة والاعتذار عن مطالبته بالحرية والكرامة أو تفكيره بالمشاركة في ادارة البلاد.

ولهذا فان كل محاولات الحوار السابقة باءت بالفشل حيث كان أقصى ما عرضه النظام هو تطبيق قانون الادارات المحلية (107) والسماح بتعليم اللغة الكردية ضمن مناهج التعليم الرسمية.

 

ـ يُطرح مبدأ “أخوة الشعوب” في مواجهة التطرف القومي والدعوات العنصرية؟ هل لامستم تأثيراتها في الواقع السياسي والاجتماعي الفعلي في شمال وشرق سوريا؟

في الحقيقة، وكوننا نتكلم عن الشعوب فأنا لم ألمس وجود تطرف قومي أو دعوات عنصرية لدى هذه الشعوب، كتجربة شخصية يمكنني القول بعد أكثر من ثلاثين سنة عشتها في منطقة الجزيرة أنني لم ألمس ولو لمرة تمييزاً في التعامل أو العلاقة على اساس قومي أو مناطقي.

الجديد والمميز في طرح مبدأ أخوة الشعوب أنه لأول مرة يطرح كمنهج ومبدأ حاكم لعمل وسلوك الإدارة، وأنه مبدأ إنساني وأخلاقي يدمج في أسس مشروع سياسي لبناء سوريا المنشودة.

جاء هذا المبدأ إذاً كانعكاس وتعبير عن واقع وفعالية الشعب وليس أمراً مفروضاً عليه كنظرية حالمة أو طموح طوباوي، الأمر الآخر المهم هنا أن هذا المبدأ يشكل حالة افتراق تاريخية عما اعتادت عليه السلطات في الشرق وأعني هنا التجييش القومي والديني لخدمة استدامة السلطة.

وربما هذا أحد أسباب معاداة الديكتاتوريات في المنطقة لمشروع الادارة الذاتية وسعيهم للقضاء عليه قبل أن يتحول الى حالة ملهمة ومحفزة لبقية شعوب المنطقة.

من نتائج اعتماد هذا المبدأ في الإدارة تشجيع كافة مكونات الشعب وقواه السياسية على الانخراط الفاعل والواعي في مشروع الادارة وهذا نابع من إحساس بالمسؤولية والتمثيل في فكر وهياكل ومؤسسات الادارة.

 

من اجتماعات مجلس سوريا الديمقراطية

 

ـ تتميز العلاقات بين جميع الشعوب القاطنة في ظل الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا “كرد وعرب وسريان وآشور وكلدان وأرمن وشركس وتركمان…” بعلاقات أخوية وتشاركية في جميع نواحي الحياة الفعلية؟ إلى أي درجة يمكن أن يؤثر هذا النموذج على بيئة منطقة الشرق الأوسط ولاسيما أن بعض من أنظمتها تتبع سياسة القومية الواحدة وتهمش حقوق الشعوب بل وتحاول بكل ما بوسعها لإبادة وتهجير بعض الشعوب الأصيلة في المنطقة؟

يخضع مفهوم الدولة وأدوارها على المستوى العلمي الأكاديمي إلى مراجعات هامة وحيوية، والأمر ذاته حول مفهوم الديمقراطية وكل هذا يتم على ضوء تطور مفاهيم حقوق الانسان والتشاركية ومدى قدرة السلطات على التعبير عن مصالح الشعوب.

أحد أهم مميزات الدولة هو احتكارها للعنف، هذه الميزة مُنحت للدولة من أجل ضمان الأمن وحماية ممتلكات المواطنين، ولكن مع الدولة الأحادية والاستبدادية أصبح هدف العنف هو ضمان مصالح وسيطرة الفئات الحاكمة (الأولغارشية) وأحد أهم أدوات هذه الأولغارشية وأكثرها فعالية هو وضع الشعب على تضاد مع نفسه بحيث يقسم ويعرف كجماعات متباينة ومتناحرة وتدخل في صراعات تطرح الدولة نفسها دائماً كوسيط نزيه بينها مع أنها تعمل على إذكاء وتوتير الخلاف والصراع.

ومن ناحية أخرى تعمل على تحشيد القطاع الأوسع من الجماهير خلفها من خلال شعارات قومية أو دينية بعد عجزها عن القيام بدورها في التنمية وتحقيق الرفاه.

نموذج إدارة الشعوب نفسها بنفسها واضطلاعها بمهام إدارة مناطقها على أرضية من المسؤولية والفهم المتبادل والاعتراف بالخصوصيات سيفقد السلطات التقليدية احد أهم أوراق قوتها وعوامل استمرارها.

يبقى هذا مرهوناً بمدى قدرة الادارة الذاتية على الالتزام بمبادئها وتطبيقها عملياً ومن ناحية أخرى تحقيقها نجاحات تشكل نموذجا ملهماً للشعوب وأخيرا قدرتها على التعامل الإعلامي من تفكيك البروباغندا التي تشوه التجربة وفعالية شرح نهجها وتسويق نفسها إعلامياً.

 

ـ لكم دور مؤثر في تأسيس “فسحة حوار” وهي بمثابة منتدى أو صالون ثقافي في مدينة الرقة، هل يمكنكم الحديث عن ظروف تأسيسها وأهدافها وأبرز أنشطتها وروادها؟

كان مشروع “فسحة حوار” ناجماً عن رغبة في خلق مساحات جديدة للحوار على المستوى الاجتماعي والسياسي تمتاز بهامش حرية أكبر من المتوفر عبر المنظمات أو المؤسسات الرسمية، ومن ناحية أخرى شكل من أشكال الحوار المستمر وعلى مختلف المستويات وفي شتى الموضوعات.

أتت فكرة المشروع في ظروف ما بعد الحرب على داعش وتحرير الرقة، كانت مدينة شبه مدمرة ولكن ما كان يقلق أكثر هو التدمير على مستوى الانسان والثقافة والفن، إذ كانت هذه مجالات ينظر اليها التنظيم كعدو ويحاربها بكل طاقته، سياسة تكميم الأفواه والتخويف ومحاسبة الناس على أقوالهم وكلماتهم، حاصرت الحوار والثقافة والتعبير عن الذات حتى كادت تخنقها، وهذه الأوضاع كانت محفزاً لنا ولآخرين على الإسراع في إنجاز المشروع الذي اعتمد أولاً على التمويل الذاتي للمشروع والمساهمة التطوعية لإنجاحه والإدارة الذاتية حيث أن رواد الفسحة هم من يديرون المشروع وبشكل دوري يختارون فريقاً منهم لتحمل المسؤولية المباشرة.

يغطي المشروع مختلف جوانب الأنشطة الثقافية والفنية من معارض فن تشكيلي وعروض مسرحية وأمسيات أدبية إضافة إلى ندوات وحوارات ثقافية وسياسية وتراثية ويستهدف المشروع الشباب بمحاضرات توعية ودورات في الفن والموسيقى.

هذا النوع من الأنشطة خلق تنوعاً كبيراً في رواد الفسحة حسب الاختصاص والفئات العمرية والجندرية.  ويمكن القول أنها الآن مساحة حرة للحوار والتعبير عن الذات.

 

ـ ماذا عن مستقبل سوريا؟ هل هناك آمال في إطلاق حوار سوري- سوري جدي بعيداً عن الأجندات الدولية والإقليمية الهدامة والتي لم تنتج عنها سوى الخراب والحرب الأهلية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية…؟

يقول سعد الله ونوس (نحن محكومون بالأمل) ونحن أيضاً محكومون بالعمل، حق لنا وواجب علينا أن نأمل وأيضاً أن نعمل لتحقيق هذا الأمل، ليس لدينا كسوريين خيار آخر، إن لم نتحاور ونتفق على طريق للحل والخلاص فالبديل سيكون الكارثة وإدامة الحرب.

اتحاد السوريين واتفاقهم سيجعل منهم قوة تفرض على الآخرين على الأقل أخذ مصالحهم وحقوقهم بحسبان السياسات الدولية واستمرار التفرق سيعزز التبعية والاستلحاق بأجندات الآخرين

أنا متفائل بضرورة ظهور الطور الثالث من مسار الأحداث في سوريا، بدأ الشعب السوري بثورة زعزعت أركان النظام القائم وأخرجت الشعب من قمقمه، واجه الشعب حريته بدجون خبرة ودون إطار نظري يجمع شتاته ودون معارضة تكون على مستوى الحدث فكانت الفوضى والارهاب والارتزاق. ما ننتظره اليوم وعي ذاتي جديد يتأسس على مراجعة ما سبق والاستفادة من الأخطاء ليقوم السوريين بالالتفاف حول مشروع وطني سوري ينطلقون منه إلى تحرير وإعادة بناء وطنهم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عبد القادر موحد: سياسي ومثقف سوري، مواليد إدلب عام 1971، تخرج من معهد البترول في رميلان عام 1991، اجازة في الفلسفة من جامعة حلب عام 2000، عضو مؤسس في مجلس سوريا الديمقراطية عام 2015، رئيس مكتب الشؤون الإنسانية في الإدارة الذاتية بين عامي 2017-2020، عضو الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطية. ومن مؤسسي “فسحة حوار” الثقافي في الرقة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نُشر الحوار في العدد (18)- ربيع 2023