افتتاحية العدد (17): أدب المقاومة.. تجسيد لهموم وكفاح المجتمع والوطن
الأدب هو جزء لا يقل أهمية عن أي قطاع آخر لتلبية نداء الواجب في المراحل المصيرية للمجتمعات والشعوب والبلدان، ويعتبر أدب المقاومة من أبرز الآداب تناولاً وتأثيراً في الذاكرة الجمعية للشعوب، ولاسيما إن كانت ذات قيمة عالية مضموناً وأسلوباً.
أدب المقاومة تعريفاً، هو النتاجات الكتابية في مختلف الأجناس والأشكال الأدبية “الرواية، القصة، الشعر، المقال…الخ”، المعبرة عن فكرة الدفاع الذاتي (ضد الهيمنة على المجتمع والوطن) ومقاومة العدو. ويعتبر مصطلح “المقاومة” أكثر شمولاً ودقة من المصطلحات الأخرى التي يطرحها البعض، للتعريف بهذا النوع من الأدب والفن، إذ ترتبط المقاومة بصراع الإنسان من أجل البقاء والوجود والحفاظ على هويته تجاه الأخطار المحدقة به. وأدب المقاومة ليس مرتبط فقط بمقاومة الاستعمار والاحتلال أو عدو مباشر، بل له أوجه متعددة كصراع الاستبداد والظلم والفساد والاستغلال الاجتماعي أيضاً.
يقوم أدب المقاومة، بدراسة تحليلية لواقع المجتمعات بدقة، وإظهار محاسن الشعوب وتمجيد بطولاتها على مر التاريخ، وإذكاء حالة الأنفة والكبرياء لدى الشعوب، وصنع وتعظيم رموز المقاومة والشجاعة، ورفع المعنويات والحماسة لدى الجمهور، وفضح أساليب ومساوئ المُحتلين والظُلام والمُستغلين، وهذا كله يجعل منه قطاعاً له أهميته الكبرى في بث روح المقاومة لدى الشعوب والأمم. وبذلك يأتي أهميته من التأثيرات المعنوية الإيجابية التي تتلقفها الرأي العام أو الجمهور من النتاجات الأدبية والفنية، والتي تشكل الدور الأكبر – إلى جانب قطاعات أخرى كالفن والإعلام- في البنيان الفكري والثقافي لدى الفرد، أي بناء الجانب الروحي والمعنوي لدى الفرد والمجتمع عموماً. وهذا بدوره له الدور الأساسي في ربط الفرد بمجتمعه ووطنه، وبالتالي في إذكاء وتعظيم وتمتين حالة المقاومة والدفاع الذاتي لأي شعب ما.
يقع على عاتق الأديب والكاتب مسؤوليات كبيرة في المقاومات والثورات الشعبية، من خلال نتاجات أدبية قيمة تحاكي الواقع وتضمن فيها روح المقاومة.. فلا يمكن للأديب أن يكون منفصلاً عن قضايا مجتمعه ووطنه، إذ أن مصيره مرتبط بمصير الجماعة التي ينتمي إليها، وبالتالي لا بد له من تجسيد هموم مجتمعه ووطنه وكفاحاته ومناقشة قضية الحرية والتحرير والابتعاد عن الذات الفردية..
ومن أبرز النماذج الأدبية المقاومة في العالم، شاعر نيكاراغوا الأكبر “أرنستو كاردينال”، والشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، والروائي الروسي تولستوي. وفي العالم العربي ظهر العديد من الأدباء الذين انتقدوا السياسة الاستعمارية لبلدانهم، داعين الجماهير إلى المقاومة والعصيان، نذكر منهم عبد الرحمن الكواكبي وخير الدين الزركلي وخليل مطران ومحمود درويش وتوفيق زياد وسميح قاسم وغسان كنفاني، وكنفاني هو أول من استخدم مصطلح أدب المقاومة عربياً، فهو يرى أن أدب المقاومة يمثل “صرخة شجاعة”، ويجسد حالة من حالات “الصمود من الداخل”، وأن “الالتزام بالقضية، الالتزام الواعي، هو الإطار الذي استطاع أن يقود خطوات أدب المقاومة”. وفي كردستان كان الأدب الكردي بمعظمه تعبيراً عن الآلام الكردية وفضحٌ لسياسات الاستعمار والاحتلال، ودعوةٌ لأبناء الشعب الكردي إلى اليقظة والمقاومة والثورة ومن أبرز الأسماء أحمدي خاني، نالي، جكر خوين، شيركوه بيكس… وغيرهم كثيرون.
ولأهمية “أدب المقاومة” في حياة المجتمعات والشعوب المعرضة للتحديات والأخطار المصيرية، فقد ارتأت هيئة التحرير في المجلة اعتمادها كملف للعدد الجديد (السابع عشر)، إضافةً إلى أن العدد يحتوي على مواضيع ونتاجات أدبية أخرى قيمة، راجيةً من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.