أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

افتتاحية العدد (21): ثورة الأدب في شمال وشرق سوريا

 

شهدت مناطق شمال وشرق سوريا تغييرات أو ثورة سياسية واجتماعية وثقافية جذرية منذ عام 2012، وقد ضَمِنَ العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الحقوق اللغوية والثقافية المشروعة لجميع شعوب المنطقة “الكرد والعرب والسريان…الخ”، بما في ذلك حرية النشر. وعلى إثر ذلك جرى تنظيم الساحة الأدبية إدارياً بهيئته الرسمية (الإدارة الذاتية)، فيما سُنحت الفرصة لمؤسسات أدبية أهلية بالظهور، لتساهما معاً في بلورة حركة أدبية جادة في المنطقة، ومن مخاضاتها افتتاح وظهور المطابع، ودور النشر، والمكتبات، ومراكز الأدب والترجمة، والصحافة الأدبية، وانطلاق عملية النشر وطباعة الكتب باللغات الأم وعلى رأسها الكردية والعربية.
في الآونة الأخيرة ولاسيما بعد مرور حوالي عقد على تأسيس الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كَثُر الحديث ضمن الأوساط الأدبية ودوائر القرار المحلية عن حال وواقع الحركة الأدبية وتأثيراتها على المجتمع،. وبالتالي بات السؤال المحوري هنا: هل من صواب إجراء تقييم جاد أو جرد حساب للناتج العام عن أعمال الأدب في عموم شمال وشرق سوريا بعد مرور اثني عشر عاماً على “الثورة” وعشر سنوات على “الإدارة الذاتية”؟ هل تحاكي الاعمال الأدبية الجارية مستوى وقيم “الثورة”، وهل أثرت إيجابياً في المجتمع؟
صحيح أنه جرى تغيير جوهري في المنطقة منذ العام 2012 في مختلف الساحات ومنها الأدبية أيضاً، فالكاتب أصبح بمقدوره وبكل سهولة طباعة نتاجه الأدبي وبلغته الأم بعد عقود من الحظر والقمع والتهميش، وفُتحت الأبواب أمام النشر الأدبي وأعمال التأليف والترجمة، وقد طبع ما بين عامي 2012 وبدايات 2024 ما يزيد عن (800) كتاب بمختلف الأجناس الأدبية والكِتابية بين “تأليف وإعداد وترجمة” عن أكثر من (18) مؤسسة أدبية وثقافية وأكاديمية محلية. إلا أن المطالبات المتعلقة بتقييم الناتج العام للأعمال الأدبية – والتي تجري راهناً بالتزامن مع حملة “إعادة البناء” الجارية على مستوى الإدارة الذاتية ككل- هي مطالبات محقة ومتأخرة في الوقت ذاته.
وبالنظر إلى الأعمال الأدبية الجارية، وإلى التحديات الداخلية والخارجية من الظروف السياسية والاقتصادية، فأنه يمكن تلمس ضعف أدبي عام بسهولة، رغم توجه معظم أروقة القرار في المؤسسات الأدبية المختلفة لتحقيق متطلبات النهضة الأدبية والثقافية، وبالتالي لا يمكن تقييم مستوى أداء الحركة الأدبية في مناطقنا بأنها قد وصلت إلى حد اعتبار أن هناك نهضة أدبية وثقافية تجرى على مستوى عال أو أن هناك ثورة أدبية مؤثرة.
وبالتالي لا بد من إجراء تقييم جدي وإعادة النظر في مجمل الحركة الأدبية في منطقتنا في نطاقه الرسمي على الأقل، فإما أن نعلو ونسمو بأدبنا ومؤلفاتنا وأعمالنا وثقافتنا، وإلا فلا حاجة للادعاء بصفة الكاتب أو المثقف من هذا أو ذاك أو الادعاء بوجود نهضة أدبية وثقافية أو ثورة أدبية في منطقتنا.
ولأهمية موضوع «ثورة الأدب في شمال وشرق سوريا»، فقد ارتأت هيئة التحرير في المجلة اعتمادها كملف للعدد الجديد (21)، إضافةً إلى أن العدد يحتوي على مواضيع ونتاجات أدبية أخرى قيمة، راجيةً من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.