أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

مقاومة الحكي في (الحور العين تفصص البسلة) – نبهان رمضان

 

نبهان رمضان

 

شهرزاد التي قاومت مصير الموت الذي يهددها بسحر الحكايات الخرافية، كما تقاوم الكاتبة صفاء النجار في المجموعة القصصية (الحور العين تفصص البسلة) الصادرة عن دار روافد ٢٠١٧م ثقافة الصمت باستعادة سلطة الحكي والكلام من الراوي الذكر، وهذا ما يقودها الى مقاومة نصية ثقافية تنطلق من تحرير الكلام عن الذات واستعادة سلطة التمثيل. هكذا تتشكل الحكايات داخل المجموعة بوصفها عالم بديل، إنها ملاذ الذات، فيه تعانق المرأة هشاشتها وتستعيد حريتها في البوح وتكون علاقة بين عالم الواقع وعالم الحكاية الرمزية (الفانتازيا) ضمن ثنائية القوة والرغبة في معادلة غير متكافئة.

وجاء البوح السردي للذات نسقاً رمزياً دالاً لاستعادة الذات وبناء حكايتها خارج سياسات الهيمنة الذكورية. الراوي داخل المجموعة القصصية أنثى. تحكي المرأة عن عالمها وذاتها، كتابة قصص النساء بأصواتهن وسرد هويتهن بوصفهن ذوات متكلمة.

إن الهوية تتحقق باستعادة الصوت والكلمة، وهذا ما يؤدي إلى كتابة سيرة جديدة لحياتهن وتعديل الصورة النمطية المكرسة عن الذات المؤنثة. تتواصل شكوى النساء من هيمنة ذلك الرجل المستغل للأعراف والدين لفرض سيطرته، وكان الزواج وسيلته الأولي في تعزيز ذلك المفهوم، لأنه يمنحه امتيازات شرعية تجعله يتحكم في المرأة (الآن هي حرة ولكن بعد الزواج سيكون مسؤولاً عنها وسيحاسب على أفعالها، حاولت أن تشرح له معجزتها، لوح لها بدبلتها فاستسلمت) ص٩.

من قصة “الأميبا” الزواج هو مقبرة الحريات، وكبح أحلام وأمنيات النساء في قصة (الحور العين تفصص البسلة) (لم يكن كل العرسان بهذا السوء، فهناك من يتغاضى عن هذه الشكليات، لكنه يصر على أنها حرة في طولها………….) ص٧٥. لكن في قصة “العطية” كان الزواج وسيلة للمرأة نحو حياة أفضل هي التي سعت إليه (فاجأته وهي تعرض عليه الزواج وهي ابنة عمه المنذورة لأخيه الكبير تبسط أمامه خطته……) ص٣١. لم يكن الرجل سوى وسيلة لمقاومة التقاليد التي تنذر البنت لابن عمها عند الولادة. (يا عبيط هربت معاك علشان خاطري) ص٣٢.

الزواج الثاني كان مظهر اضطهاد أيضاً في قصة “فيلم أمي” (تزداد لمعة العينين وتتجمع في بؤبؤهما التي تريني إياها كل صباح………) ص٨٧. وفي قصة “اللعنة” تظهر اضطهاد المرأة للمرأة (من خلف الحكايات والأساطير استقبلت زوجة الأب التي تذبح بقرة الأيتام وتطهو الديك الصبي وتنظر في المرآة وتصيح هل هناك أجمل مني؟) ص٦٧.

تبنت المجموعة القصصية فكرة أن الرجل له دور وحيد وهو إنجاب طفلة تحاول المرأة أن تجنبها مصيرها وتهيئ لها حياة أفضل، وتجلى ذلك المعنى في قصة “العطية” (عندما كبرت، بنى آماله على جمالها، وطمع أن يرافقها ثري، حاول أن يعلمها الرقص، لكن إرادة أم نجاة وقفت أمام طموحه في فرقة استعراضية، بل وفي حتى التلميح بمزايا ابنة جميلة اللي ما ترضهوش ليا، ما ترضهوش لبنتنا) ص٣٢. الأيام التي لا تطيب في هذه القصة الأمل في التغيير كان إنجاب طفلة، ففي قصة الحور العين تفصص البسلة (مع كل شهر يموت لها طفل كانت تتمناه…. تتجمع البويضات الميته في ركن مظلم من روحها…….) ص٧٥. من نفس القصة ص٧٩ (فعلاً انكشف السر الاعظم وجاء الرقم المئة من بين الجمهور المفتون بألوان البلياتشو وحركات لاعبي الأكروبات وأدب القرود)….. وتواصل الكتابة في نفس الصفحة ( من إحدى هذه الحركات أنجبت البنت التي صارت لا تشبهني أبداً… طفلة) ص٧٩. الكائن الغريب الذي هو الرجل، الجاهل بمقدرات المرأة الذي أجبر الحور العين على تفصيص البسلة والاستسلام وإعلان العودة من حيث أتين (تحول لون الحوريات وفقدن بهاءهن السلفي وكلما حاولن إفهام أزواجهن كانوا لا يستمعون إليهن وكان كل ما يرغبون فيه هو الغنج الجنائي أيام الأحد والخميس) ص٨٦.

وفي قصة “ومن أحياها” نجد الخوف والقلق أن تلقي الابنة نفس المصير من الاضطهاد والتهميش ( في أيامك الاخيرة كنت تمهدين لنومك، تأكلين وتأكلين، تصمتين، أصوات جوعي تطلب المزيد وحينما قررت كان……..) ص٤٦. وفي قصة “اللعنة” تحمل الكاتبة الجيل السابق من النساء مسؤولية ضياع حقوق الجيل التالي بصمتهن وتخاذلهن (وظلت ابنتي التي عققتها، ولم أوفها حقها صغيرة، فهجرتني، وعققتني كبيرة، كنت أدفع ثمن ذنوبي بصمت الخطائين المقرين بذنبهم) ص٧١. وفي قصة “اكتشاف” تمنت الأم حياةً أفضل (عندما عرفت إنها حامل، ورد بخاطرها أن تسمي ابنتها ليالي……….) ص٥٣. وتظهر قصة “الشبكة العنكبوتية” معاناة المرأة في العمل والبيت (يتصل رئيس التحرير، ترد أعاني من انخفاض تقدير الذات) ص٦٤.

استخدمت الكاتبة استراتيجية الحكي السيرياليزم الرمزي، تماشياً مع الحدود التي رسمتها لنفسها وإظهار مقاومة ناعمة هادئة بعيداً عن المواجهة. وبالنسبة للشخصيات الرئيسية داخل المجموعة القصصية شخصيات نسائية من الطبقة المتوسطة أو المهمشة مثل أم نجاة راقصة الموالد أو لم ينلن قسط كببر من التعليم باستثناء قصة “الشبكة العنكبوتية” البطلة فيها صحفية.

تحاول المجموعة القصصية “الحور العين تفصص البسلة” إبراز شخصية المرأة، وبالمقابل نقد سلبيات الرجل، وذلك في سبيل تعزيز مكانة المرأة لتصبح الشخصية الفاعلة في النص انطلاقاً من الفكر الإيديولوجي الذي تتبناها الكاتبة صفاء النجار، وتعتبر محاولة منها لتغيير الحال المفروض على المرأة.

هناك إحالات واستدعاء لشخصيات تم توظيفها ببراعة تعكس ثقافة الكاتبة لتعطي دلالة موحية وملائمة للفكرة المراد توصيلها للمتلقي مثل شخصية بنيلوبي (تجسد بينلوبي ابنة ملك إسبرطة إيكاريوس، وقريبة هيلين الجميلة، نموذج الزوجة الوفية التي تكرس ما تبقى من حياتها في انتظار زوجها الغائب أوديسيوس) أو زرقاء اليمامة وايزيس.. كلها تكرس للزوجة الوفية المخلصة.

وهناك استدعاء آخر ديني (استقبلت زوجة الأب التي تذبح بقرة الأيتام) ص ٦٧ تناصاً مع حكاية البقرة الصفراء فاقع لونها تسر الناظرين، في المقابل هناك استدعاء لشخصية الرجل التي ترمز للظلم والسلوك السيء مثل الرجل ذو اللحية الزرقاء في صفحة ٨٠ (اللحية الزرقاء، هي حكاية خرافية للكاتب الفرنسي شارل بيرو، نشرت لأول مرة عام 1697. وتحكي قصة قاتل متسلسل قتل زوجاته وأخفى جثثهن في غرفة مغلقة، بعد أن منعهن من فتح باب غرفة معين في غيابه لكنهن لم ينفذن أوامره ودفعهن فضولهن لفتحه. التناص مع رواية غادة الكاميليا أو الفيلم رمز التضحية من اجل الحب كل ذلك يعكس سعة الأفق الفكري وتحييز الكاتبة لبني جنسها وتكريس فكرة أن المرأة خلقت للوفاء والإخلاص والتضحية، بينما الرجل لا وجود إيجابي له، وهذا يعتبر تحييز أيديولوجي وصياغة تمثيليات وصور الهوية في محاولة تغيير الوعي المجتمعي والثقافي الذكوري أو علي الاقل الدفع نحو التساؤل وإعادة النظر في تلك السلوكيات المتكرسة لدى الرجل.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صفاء النجار: كاتبة وروائية، صدرت لها المجموعة القصصية “البنت التى سرقت طول أخيها” عن دار ميريت- 2004، ورواية “استقالة ملك الموت” عن دار شرقيات- 2005، ورواية “حسن الختام” عن دار رؤية- 2014.