مؤتمر القاهرة بعيون كردية – فادي عاكوم
رغم التركيز الإعلامي والسياسي الحالي على القضية الكردية بشكل عام وعلى التطورات المتتالية في سوريا والعراق بشكل خاص، إلا أن هذه القضية كانت منذ عقود طويلة إحدى أهم المحطات التي يتوقف عندها ساسة العالم وكانت محور أساسي من محاور المؤتمرات السياسية التي شهدتها السياسة الدولية، والتي أدت إلى التقسيم وإعادة التقسيم وتوزيع الغنائم على الدول الكبرى، وأتت على شكل وصايات واحتلالات وانتدابات لا تزال منطقة الشرق الأوسط برمتها تدفع ثمنها إلى وقتنا الحاضر، وربما أهمية القضية الكردية عالمياً وأهمية محور القاهرة السياسي، كانا وراء قيام كل من محمد أرسلان علي (المدير الإقليمي لوكالة أنباء الفرات والمقيم بالقاهرة) لإصدار كتابه “القاهرة … بعد قرن من مؤتمر الأربعين حرامي”، وسيهانوك ديبو الممثل السابق لمجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة الذي أصدر كتابه “القضية الكردية في مؤتمر القاهرة 1921- الإشكالية والأبعاد”، وذلك في وقت متزامن ببداية العام 2021، اي بعد قرن كامل على انعقاده، عن دار نفرتيتي للنشر في القاهرة.
مؤتمر القاهرة الذي عقد في العام 1921 بفندق “سميراميس” بقلب القاهرة، هو المحور الأساسي لكلا الكتابين، وهو المؤتمر الذي استمر أسبوعين برئاسة وزير المستعمرات البريطاني آنذاك ونستون تشرشل، وبحضور أربعين موظفاً إدارياً وسياسياً وعسكرياً من البريطانيين الذين كانوا يشغلون مناصب هامة في مختلف أرجاء الوطن العربي في ذلك الوقت، حيث تحدد خلال المؤتمر المستقبل السياسي لعديد من دول الشرق الأوسط كالعراق وشرق الأردن وفلسطين، ويعتبر من أهم المؤتمرات التي تم خلالها بحث مصير العرب بعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال بريطانيا للمنطقة في الحرب العالمية الأولى، وبما أن المؤتمر المذكور أُشبع دراسةً وأبحاثاً وتحليلاتً، فسيتم التركيز في هذا المقال على ما يخص القضية الكردية ونتائج المؤتمر على مسارها تاريخياً.
القاهرة … بعد قرن من مؤتمر الأربعين حرامي
“محمد أرسلان علي” والذي استشف عنوان كتابه من مقولة قالها تشرشل للمشاركين في المؤتمر ووصفهم بأنهم يشبهون الأربعون حرامي، اختار أن يقدم إيجازاً تاريخياً لا بد منه للفترة التي سبقت المؤتمر، كمقدمة لفهم أهمية المؤتمر ونتائجه، كأزمة مراكش الأولى في العام 1905 والثانية عام 1911، وأزمة البوسنة والهرسك عام 1908 وحرب البلقان الاولى عام 1911 والثانية 1913، وصولاً إلى اغتيال ولي عهد النمساوي عام 1914 والحرب العالمية الاولى وتداعياتها، بالإضافة طبعاً إلى معاهدة سايكس بيكو ومعاهدة سيفر ومؤتمر سان ريمو، مع عرض للوضع في منطقة الشرق الأوسط ونفوذ الدول الغربية فيه، وبعد عرضه لظروف وتفاصيل مؤتمر القاهرة تطرق إلى مجمل الاوضاع التي تهم أبناء القومية الكردية في سوريا والعراق والعلاقات مع إيران وتركيا والمنطقة العربية مشدداً على أفكار القائد عبدالله أوجلان خاصةً من ناحية الأمة الديمقراطية كحل لإرساء الأمن والتعايش في الشرق الأوسط.
ويرى أرسلان إن من نتائج مؤتمر القاهرة وكما سبقه من مؤتمرات خاصة مؤتمر سيفر عدم إيفاء بريطانيا بوعودها وتعهداتها للكرد، وذلك في الموصل من خلال تشكيل العراق العربي وفي شمال كردستان لإرضاء تركيا لوقف زحفها نحو روسيا، ليكون الكرد ضحية المصالح القوى الإقليمية والدولية في القرن العشرين، مما أدى إلى احتجازهم ضمن الدول القومية، وشدد إنه وعلى رغم سعي الكرد الدائم للاندماج في الدول التي ينتمون لها لكنهم دائماً ما كانوا يساقون للمقصلة العصبوية القومية والحزبوية الشوفينية بهدف إبعادهم وسلخهم عن قوميتهم الكردية بشكل نهائي.
اعتمد أرسلان في كتابه على العرض ثم التحليل، بل ترك التحليل السياسي إلى النهايات، معتمداً على الوقائع السياسية التي قد تفسر نفسها في كثير من الأحيان، ومع ابتعاده بعض الشيء عن التحليل الشخصي نجح في إبعاد القارئ عن الملل الذي قد يصيبه من تحليلات متكررة أو ليست بموقعها أو لا تتوافق مع توجهات القارئ، أي أن عمله يعتبر ناجحاً من الناحية العلمية إلى حد كبير، وحى بأكثر المسائل حساسية وهي مسالة العلاقة الكردية العربية، لم يغص بالتحليلات الشخصية والتنظيرات، بل اعتمد بشكل واضح على أفكار المفكر الكردي الزعيم عبدالله أوجلان، مما أعطى لكتابه ثقلاً نوعياً كون أفكار أوجلان بدأت مؤخراً بالانتشار في المنطقة العربية، وللتأكيد بأن توجهات الكرد ثابتة ولا تتغير خصوصاً بالنسبة للعلاقة مع المكونات الأخرى في الشرق الأوسط وخصوصاً مع العرب.
تظهر علاقية روحية مميزة بين الكاتب محمد أرسلان وأفكار المفكر أوجلان بتقديمه لرؤية أوجلان للعلاقة بين الكرد والعرب، والذي أكد على العلاقات القوية التي جمعت أوجلان بالقادة التحرريين العرب في سوريا ولبنان، مؤكداً إن خروج أوجلان من سوريا عام 1988 كان نابعاً من عدم رغبته بأن يكون سبباً لأذية سوريا، وقد يقول البعض بأن إدراج أوجلان بين صفحات كتاب يتكلم عن مؤتمر القاهرة شائبة ممكن نزعها وأمر غير ضروري كان بالإمكان الاستغناء عنه، لكن أرسلان وتحت عنوان “تعزيز حل القضية الكردية للأمن القومي العربي” حل هذه المعضلة ورد بطريقة مباشرة على مقررات مؤتمر القاهرة المجحفة بحق حقوق أبناء القومية الكردية، معتبراً أنه عندما يتم الثقة باعتبار الشعب الكردي جزء من الأمن القومي العربي وحصوله على حقوقه الطبيعية في إدارة مناطقه، سيقوى الأمن القومي العربي ويحجم ويقلل التهديدات القادمة من تركيا ومن إيران، طالما أن التهديدات التي تطال الأمن القومي العربي تشمل تهديدات آتية من بعض الدول الإقليمية، مؤكداً أن الأمن القومي العربي هو توفر الامكانيات والقدرة على حماية الهوية والقيم الداخلية وأسباب النهوض والحرية والرخاء للشعوب والمجتمعات والدول من التهديدات والتحديات الخارجية إقليمياً وعالمياً، والأمر حسب أرسلان يشمل كافة المجالات، السياسية والثقافية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والإعلام والطاقة والمياه.
وينتقل الكاتب محمد أرسلان مجددا إلى القاهرة لكن بعد قرن من الزمن، ويقول أن العلاقات المصرية الكردية ليست آنية ووليدة اللحظة، أو كرد فعل للمتغيرات التي تشهدها المنطقة، بل هي حالة تشاركية مكملة لبعضها البعض على مستوى سياسة المنطقة على مستوى سياسة المنطقة ككل، مشيراً إلى أن نظرة عبد الناصر القومي العروبي للكرد كانت عميقة وأنه أدرك قبل معظم الحكام العرب دور الكرد في المنطقة وخصوصاً في انحاء كردستان الجغرافية وموقعها الجيوسياسي لصد أي عدوان على مصر، بالاستناد طبعاً إلى ما تعرضت له مصر من اعتداءات تاريخياً، مؤكداً ان عبد الناصر توصل لحقيقة أو قناعة بأنه لا بد من دعم الكرد لإيقاف الألاعيب التي يتم حبكها بأسماء كثيرة وأدوات اقليمية مختلفة، ويؤكد أرسلان أنه وبوفاة ناصر تحولت بوصلة مصر بفعل عوامل عديدة، شأنها شأن دول المنطقة التي تعيش حالة من الدوران في حلقةً مفرغة بعيدة عن الدور التاريخي المفروض أن تلعبه، وينتقل أرسلان إلى فترتنا الحالية، ويقول أنه ومن بعد ما جرى من تدمير لسوريا والعراق ولبنان، فأن مصر استطاعت القضاء على مشروع الإخوان المسلمين، مؤكداً إن مقاربة القيادة المصرية من مشاكل المنطقة يرجحان العقل والمنطق على العاطفة والنزوات وهي أمور ساعدت مصر على تجاوز المطبات الكثيرة التي تعرضت لها.
ويقول أرسلان أنه لعل الحالتان المصرية والكردية اللتان ظهرتا في الفترة الاخيرة، ونتيجة لتصديهما للفكر المتشدد، فقد نجح الطرفين في التصدي للمشروع الذي كان يهدف للسيطرة على المنطقة، مؤكداً إن القوميات التي يجب أن تكون داعمة للمنطقة العربية، هي القومية الوطنية الكردية خصوصاً وأن أبناء القومية الكردية يقارب عددهم الـ 40 مليون على الأقل.
“القضية الكردية في مؤتمر القاهرة 1921 – الإشكالية والأبعاد”
سيهانوك ديبو من ناحيته وفي كتابه “القضية الكردية في مؤتمر القاهرة 1921 – الإشكالية والأبعاد”، سار على نفس النهج الذي سار عليه محمد أرسلان بكتابه مع بعض الاختلافات خصوصاً من ناحية اعتماده على مصادر صحافية أكثر من غيرها وبشكل خاص صحيفتي “الأهرام والمقطم”، بالإضافة إلى بعض المراجع الأخرى، وهو ما أعطى الكتاب صبغة التحقيق المبني على معلومات صحافية أكثر من المعلومات السياسية البحثية، ويظهر الأمر واضحاً بتقسيم الكتاب وفصوله حيث أتت اشبه بمقالات منفصلة متتالية حول الموضوع الأساسي، كما ضمن ديبو كتابه مجموعة من الخرائط التي تظهر تطور الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط طبقاً لتطور الاتفاقيات وتوالي المؤتمرات، بالإضافة إلى صور من أعداد صحيفتي “الأهرام والمقطم” الصادرة آنذاك.
سيهانوك ديبو قسم كتابه إلى ثلاثة أقسام، في الأول لخص الأوضاع السياسية السائدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم والتي غيرت أكثر من مرة الصورة السياسية العامة والتي مهدت لقيام مؤتمر القاهرة، خصوصاً معاهدة سيفر وتعديلاتها وتأثيراتها، بالإضافة إلى معاهدة قرس موسكو في العام 1920 ومؤتمر لوزان في العام 1923، ممهداً لما حصل خلال ربيع العام 1921 في القاهرة، ديبو وبالإضافة إلى توثيق جوانب المؤتمر السياسية تطرق إلى مسار رحلة ونستون تشرشل إلى القاهرة ورحلته البحرية من ايطاليا إلى الاسكندرية وبعدها بالقطار إلى القاهرة، مع بعض التفاصيل الدقيقة، وربما ساعده في هذا الأمر اعتماده الأساسي على المصدر الصحافي والمتابعات اليومية مما شكل له صورة عامة للأيام التي قضاها تشرشل في القاهرة.
وعن تشرشل والقضية الكردية، يقول ديبو أنه كان من المهم لديه ضمان الولاءات وضمان عدم التحالف مع تركيا، وكان من المهم بالنسبة لتنظيم تلك البلاد أمرين، الأول تنظيم مسألة العسكر والحماية، والثاني قيام دولة كردية في ولاية الموصل شرط التبعية لبريطانيا وحفظ مصالحها، على أن تكون هذه الدولة “دولة حاجز” للفصل بين العراق وتركيا، وواجهت أفكار تشرشل معارضةً خاصةً من قبل المندوب السامي “برسي كوكس” الذي نادى بدولة عراقية كبرى تضم الكرد والعرب على حد سواء، لكن بعد أسبوعين من ختام مؤتمر القاهرة ظهرت أولى مؤشرات تغير السياسة البريطانية نحو الدولة الكردية وتغير موقف تشرشل الذي نادى آنذاك على بقاء كردستان جزءً من العراق على أساس حكم محلي ذاتي.
ملف آخر تميز به سيهانوك ديبو في كتابه، وخصصه لـ “ميس بيل” البريطانية واسمها الكامل “فرترود مارغريت لوثيان بيل”، والتي يعتبرها العراقيون من أهم الشخصيات التي ساعدت العراق بالحفاظ على التسمية الأساسية القديمة، وقد سمحت لها رحلاتها بين إيران وتركيا والعراق وسوريا بإجراء مسح شامل بطبيعة الحياة والمجتمعات الحضرية والبدوية، وبرز بعدها بالعمل مع المخابرات البريطانية وكانت قريبةً جداً من الضابط البريطاني “تي اي لورنس” المشهور بـ “لورنس العرب”، إلى أن تم تعيينها رسمياً في المكتب العربي بالمخابرات البريطانية بفرع البصرة، وفي العام 1918 تنقلت بين المناطق الكردية في العراق وإيران، وفي مؤتمر القاهرة عملت مع كوكس على رفض إقامة دولة كردية.
التوصية الأساسية بالنسبة للقضية الكردية والمقدمة لمؤتمر القاهرة قدم تشرشل مجموعة من التوصيات أبرزها “إن المناطق الكردية يجب أن لا تدخل في الدولة العربية في العراق، بل يجب على حكومة صاحب الجلالة تشجيع مبداً الوحدة الكردية، ورعاية الهوية القومية للكرد، ومهما بلغت هذه المنطقة الكردية من مساحة فإن السيطرة البريطانية ستسهل إيجاد نوع ما من نظام مركزي يلحق به مستشار سياسي بريطاني مرتبط بالتالي بالمندوب السامي المرتبط بدوره بحكومة جلالته”، ومع معارضة “كوكس” تدخل “هيربرت يونك” ودعا إلى إقامة دولة كردية فوراً تابعة لوصاية المندوب السامي وغير تابعة لدولة العراق، واتفق معه كل من الجنرال “لورانس” والميجور “نويل”، وينوه ديبو بأن تشرشل قال وقتها بأن حكومة عربية ومعها جيش عربي ستتجاهل طموحات وأماني الشعب الكردي وستضهدها كأقلية، كما من أسباب معارضة إقامة دولة كردية في العراق هو التخوف من إقامة دولة أخرى للكرد في شمال كردستان تحت الوصاية الفرنسية.
ويقول ديبو بأن مؤتمر القاهرة كشف عن حجر عثرة جديد للقضية الكردية وهي العرب الذين تمت إضافتهم إلى الفرس والأتراك بعدائهم للكرد وقضيتهم، ويؤكد ديبو بأن ما حدث في مؤتمر القاهرة كان فخاً بريطانياً كبيراً، فمن ناحية تم فصل كردستان الجنوبية عن عموم كردستان كما جرى فصلها عن الدولة العراقية الحديثة كما قطعت العلاقات مع شمال كردستان وتركيا، ويلخص بأن مؤتمر 1921 في القاهرة تخلى عن بنود معاهدة سيفر المتعلقة بالقضية الكردية وتحويل عموم كردستان إلى مستعمرات دولية، اعتماد وترسيخ سياسة فرق تسد، وإبقاء المسالة الكردية مسألة مفتوحة دون إغلاقها رغم القدرة على ذلك.
ولا بد من الإشارة إلى أن سيهانوك ديبو – ربما ومن دون قصد طبعاً – وقع في فخ الاستقصاء الصحفي، فنشر مجموعة كبيرة من الصور كان من الممكن الاستغناء عن بعضها للتشابه الكبير، كما أن صور الأعداد القديمة من صحيفتي “الأهرام والمقطم” كان بالإمكان الاستغناء عنها نظراً لعدم وضوحها والقدرة على قرائتها نهائياً من قبل القارئ، وكان بالإمكان الاكتفاء بواحدة منها كدلالة على التوثيق والقدرة على الوصول إلى الأرشيف “الميكروفيلم”، أما من الناحية الفنية فأن ديبو أحسن الاهتمام جيداً بالغلاف المميز ونوعية الورق والإخراج، لكن كان من الأجدى الاهتمام بالمراجعات اللغوية أكثر خدمةً للمكتبة العربية والكردية كون هذا الكتاب ربما يكون يوماً مرجعاً من مراجع القضية الكردية.
الخاتمة
ومما سبق لا بد من التأكيد بأن كلا الكتابين يعد إضافةً هامةً جداً للمكتبة العربية والكردية على حد سواء، فالقارئ العربي لا يجد الكثير من المؤلفات التي تروي عطشه عن المسألة الكردية، وكلا الكرد والعرب لا يجدون كافة المعلومات المتعلقة بخفايا مقررات مؤتمر القاهرة والإجحاف الكبير اللاحق بالكرد جرائه، حتى أن معظم المؤلفات وخاصة الإنكليزية والعربية أغفلت (ربما عن قصد) واستثنت المعلومات الخاصة بأبناء القومية الكردية والظلم اللاحق لهم جراء المؤتمر، فالمؤلفات الإنكليزية فعلت هذا كون الساسة البريطانيين تراجعوا أكثر من مرة عن وعودهم، وبالنسبة للمؤلفين العرب فأن الأمر عائد بالطبع إلى الضغوط التي تعرض لها الكرد بشكل عام في بعض دول المنطقة وزرع الانشقاق بينهم وبين شعوب هذه المنطقة بسبب الأنظمة التي روجت بأن الكرد لا يسعون إلا للانفصال وغيرها من التوصيفات التي لا يزال بعضها موجوداً إلى الآن مع ملاحظة تراجعها بعد الانفتاح بين الكرد وباقي أبناء قوميات المنطقة بسبب ما يمكن تسميته الانتشار الكردي الحالي سياسياً وإعلامياً مما أزاح الصورة النمطية السائدة في العقول، وربما الكتابين الذين كنا بصدد الكلام عنهما أكبر دليل على أهمية هذا الانتشار واستغلاله، فكل من “محمد أرسلان علي” و”سيهانوك ديبو” استفادا من التجربة القاهرية على أكمل وجه، خصوصاً وأنهما تواجدا في القاهرة بعد قرن كامل وتام على مؤتمر القاهرة.
وبالطبع لم يغب المفكر عبدالله أوجلان عن طروحات أرسلان، حيث يرى بأن التطرف القومي والديني هما أسس المشاكل المتراكمة من المراحل السابقة وإن الخروج من نفق التوترات لا بد من أن يمر عبر ثورة ذهنية شاملة تُغير بعض المفاهيم السائدة، ويرى بأن مفهوم الأمة الديمقراطية ربما يكون الحل الأنسب لتغيير الوعي والادراك لبناء حياة جديدة لتشكيل مجتمع جديد على أساس أخوة الشعوب، على اعتبار بأن الامة الديمقراطية تستطيع احتضان جميع شعوب وقوميات المنطقة من عرب وكرد واشور وتركمان وسريان وأرمن وأمازيغ..الخ، بإدارة ذاتها بطريقة تتلاءم مع خصوصية كل طرف وثقافته المحلية وصولاً لخدمة المشروع الوطني العام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وصحافي لبناني (50 عاماً)، مقيم بالقاهرة، حاصل على شهادة الماجستير في الفنون والآثار (الجامعة اللبنانية)، يعمل في الصحافة منذ العام 2003، يكتب مقالات في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية، له عدة مؤلفات أدبية وسياسية (عن الشأن اللبناني والسوري والكردي).