ميهربان خاتون شاعرة العشق والجمال 1858-1905م ــ نارين عمر
لم تكن المرأة الكرديّة يوماً بعيدة عن مجتمعها وقضاياه وكانت وما تزال تحظى بالتّقدير والاهتمام من قبل أسرتها ومجتمعها، وهنا أقصد المرأة الواعية وصاحبة الإرادة القويّة والمتواضعة والصّادقة مع نفسها أوّلاً ومع أسرتها ومحيطها ككلّ، لأنّ مثل هذه المرأة هي التي تحافظ على حقوقها بنفسها وتثبت ذاتها وكيانها كفرد مستقلّ يمتلك كلّ مقوّمات الرّيادة والسّيادة في بيتها ومجتمعها.
التّاريخ الكرديّ مثمر بأمثالهن، ومنهنّ الشّاعرة والفنّانة ميهربان ملا حسن مايي برواري التي أثبتت ذاتها كامرأة تمتلك كلّ خصال ومقوّمات المرأة الحقة.
عُرفت ميهربان بين النّاس باسم ميهربان خاتون، ولدت في عام 1858م في قرية مايي التّابعة لمنطقة برواري بالا شمال آميدية. منذ صغرها أظهرت مهارتها في فنّ النّقش والرّسم من خلال صنعها للسّجاد اليدويّ ببراعة ومهارة ما جعلها فنّانة مميّزة في حينها، ولكنّ طموحها لم يتوقّف عند حدّ صناعة السّجاد فحسب، بل جعلها حدّة ذكائها ونباهتها وحكمتها قريبة ومحبوبة لدى والدها ملا حسن المعروف بعلمه وحكمته ومكانته في قريته وعموم المنطقة، فلبّى رغبة ميهربان بتعلّم القراءة والكتابة على يديه في البيت، وبعد فترة وجيزة تجني شاعرتنا ثمار وعيها من خلال تعلّمها بشكل رائع، ولأنّ الطّموح والوعي الزّاهرين بالتّواضع والطّيبة تكون من خصال العقلاء والخيّرين والأنقياء فقد قرّرت ميهربان أن تهب تعليمها وثقافتها إلى بنات ونساء قريتها والمنطقة عموماً وتعلّمهم القراءة والكتابة بالإضافة إلى تعليمهم صنع السّجاد بالتّعاون مع والدها الرّجل الطّيب.
منذ صغرها كانت مولعة بالشّعر والموسيقا لما تمتلكه من قلب نقيّ بالحبّ والنّقاء ومشاعر رقيقة سامية لذلك وبعد تمكنّها من القراءة والكتابة بدأت بمطالعة كتب الشّعر والأدب، ولأنّها كانت شاعرة بالفطرة فقد بدأت تنظم الشّعر وتتلقى الاستحسان والإعجاب من أسرتها والمحيطين بها.
يُقال إنّها كانت بالإضافة إلى الصّفات التي ذكرناها سابقاً تتمتّع بوافر الجمال وبهاء الطّلعة أيضاً وكانت محبوبة الجميع، لذلك كان الكثير من شباب قريتها والمناطق الأخرى يحلمون بها حبيبة وزوجة لهم، ولم يكونوا يعلمون أنّ قلبها لا يخفق إلا لشخص واحد هو الوجود والحياة بالنّسبة لها.
يسمع أمير برواري بذكاء وفتنة ميهربان، فيحلّ ضيفاً على عائلتها وعندما يراها ويتحدّث إليها ينبهر بحكمتها ورقة مشاعرها، فيطلب من أبيها أن يوافق على زواجه من ابنته، يوافق الأب على الفور لما كان يكنّ للأمير من احترام وتقدير، لكنّ هذه الفتاة الشّاعرة والغارقة بعشق وحبّ ابن عمّها فقه أحمد تعيش حالة من الحزن والأسى على هذا الزّواج وعلى موافقة والدها الفور على طلب الأمير، وتفكّر بطريقة توصل من خلالها رأيها إلى الأمير ورفضها للزّواج منه وسرعان ما تصل إلى حلّ حازم حين تبدأ بنظم قصيدة شعر تظهر فيه حزنها وتوضّح عدم موافتها على هذا الزّواج وعندما يستمع الأمير إلى القصيدة ويتأمّل في كلماتها ومعانيها يدرك أنّ ميهربان تحبّ شخصاً آخر ولن تهنأ بالعيش إلا مع حبيبها، فيردّ عليها بأبيات من الشّعر يوافق فيها على طلبها وعلى أنّه لن يفرّق بين القلبين ويتمنّى لها السّعادة والعيش الهانئ مع حبّها، وهذه هي أبيات القصيدة باللهجة الكرمانجية او البهدينية، لأنّ شاعرتنا كانت تنظم الشّعر بالكرديّة الكرمانجية أيضاً:
ئهز چی بێژم چی بهیان كهم كی بهحالی من دزانی
مهخفیاتان ئاشكرات كهم ئاهـ ژ ڤێ دهردێ گران
ئاهـ ژ دهست عیشق و ئهڤینا كهفتمه تازیی و شینا
كی دێ ساغ كات ڤان برینا چو ژ دل سهد ئاخ و ژان
دهردیكی زۆری گرانه عهقل و هۆش من چ نهمانه
مام پهپیكو بێ خووانه كی دییه ئهڤ چ زهمان
من نهما سهبر و قهراره دل ژ من بوو پاره پاره
جههـ نه زۆر و گهرم وهاره لهو ژ من چوون ههست و خوان
یێكه دل نابیت دوو چوار نابیتن مهحهببهت چهپ و خوار
تشتهكه ناچیته بازار نه بهدهست شێخ و مهلان
دوو دلا یهكدو حهباندن زهحمهته ژ یهكدی رهڤاندن
ئایهتا عیشقێ ب خواندن نایێته شهح و بهیان
عیشق نهزانیتن گهداهی عیشق نهزانیت پادشاهی
شوعلهكه ژ نوورا ئیلاهی ههر وهكی ڕووح و ڕهوان
الترجمة للعربية:
لمن أبوح بسرّي
ببوح نفسي الحائرة
خفايا صدري أودّ النّطق بها
وآهات تثقل كاهلي
آه من العشق والغرام
أحالاني إلى كنف الحزن والأسى
وكأنّني في مأتم
مَنْ يؤتيني بالبلسم الشّافي لجروحي العميقة
والقلب ينفث بالآهات والحسرات
داء ألمّ بي
سلبني العقل والإدراك
بتّ منكسرة القلب والخاطر
عشق حرمني الصّبر والسّكينة
أبلى القلب بداء التّمزق والانشطار
والمشاعر والأحلام هجرتني منذ زمن
القلب واحد لا يمكن أن ينشطر إلى اثنين
لا يتأثر بهبوب النشاز أو الانحراف
العشق لا يتقبّل البيع والشّراء
ولا يُشفى بدعوات الملالي والشّيوخ
قلبان توحّدا على الحبّ
لا يقبلان قانون الفراق والهجران
آيات العشق لا تحتاج للشّرح والبيان
العشق لا يميّز بين الغنيّ والفقير
إنّه شعلة من نور الإله
هو مثل الرّوح
وبهذه الأبيات ردّ الأمير على ميهربان:
بۆ ئهڤینی نینه چاره تشتهکی ڕوهنه دییاره
ژ داستانا ته دهباره ههر شوکور ئهی میهرهبامن
العشق داء لا دواء له
من ملحمة عشقك يتدفّق الشّكر ميهربان
هذه الأبيات الشّعرية التي تلخّص قصّة عشق نقيّة عطرة بمشاعر وأحاسيس لا يمتلها سوى ميهربان وأمثالها نتوصّل إلى قناعة أكيدة على أنّ هذه الشّاعرة الفنّانة والحكيمة كانت تعيش على تدفق مشاعرها ورهافة أحاسيسها وعلى أنّها وعلى الرّغم من مكانتها وجمالها كانت في غاية الطّيبة والتّواضع، تحبّ الآخرين وتساعدهم وهم يبادلونها الحبّ والاحترام والتّقدير.
شاعرتنا ميهربان ترحل في عام 1905 في مسقط رأسها “مايي” وهي في ريعان شبابها، ومع الأسف لم نحصل على معلومات عن سبب وفاتها ولكن ما يحزّ في النّفس والخاطر أنّها رحلت ومشاعرها تداعب أحاسيس الحياة بعشق وتناغم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
ـ د. معروف خزندار، الشاعرة ميهربان- من كتاب “تاريخ الأدب الكوردي”، ترجمة “كوردستان صابر”، نشرت الترجمة في موقع كلكامش للدراسات والبحوث، 8 تموز 2007م. http://www.gilgamish.org/2007/07/08/2598.html
ـ Li Ser Mîhrebana Kurdî(Mîhrebana Berwarya) tMuhsîn Ozdemîr, ferhengaciyan.blogspot.com, 4 -5- 2018z.