عاطفة الثورة ــ عبد الله أوجلان
عبد الله أوجلان
بلا شك، عند الحديث عن نمط اللغة والتعبير للثورة، لا أريد أن يُفهم ما إذا كانت كردية أو تركية. أننا نقترب من هذه المسألة بشمولية أكبر. عندما يقال ما هي مشكلة الأدب الكردي؟ سأتطرق إلى هذا باختصار. لكن ما أود فهمه من نمط اللغة والتعبير هو؛ أنه لا يستطيع أن يصبح قلب الثورة، هنا لا بد أن يكون للثورة نمط جريء لها.
القاعدة لا تستطيع أن تصل في الحرب إلى عمق العاطفة. تتغذى القلوب نوعاً ما من الثقافة والأدب والشعر والغناء والعادات والتقاليد. أن شباب المرحلة منقطعون عن كل هذه الخصائص. يعايشون المجزرة الاستعمارية بشكل مذهل. لا أوضح هذا لاتهامهم. بل لأنه تم معايشة المجزرة بشكل كبير وفظيع. إن شعرهم هو شعر الرياء. والرواية التي يقرؤونها، ما هي إلا تطوير لاختلاط العقل أو أن مستواهم الثقافي لا يفعل شيئاً سوى اختلاط العقل. شعورهم وأحاسيسهم القلبية والعاطفية تمثل الخيانة. إذ علينا تناول المشكلة هكذا وبعمق كبير.
أي قلب سنضمه للإنسان الكردي؟ كيف ستظهر حساسية العاطفة وعمقها؟ تعتبر كل واحدة منها موضوعاً بحد ذاتها. بلا شك يمكن إضافة العين وقابلية المشاهدة والاصغاء الجيد إلى هذه المواضيع. هذه كلها مواضيع للأدب والفن، لكن في البداية تتطلب القلوب التي ستفهم عواطفنا وأحاسيسنا.
أتساءل دائماً؛ لماذا لا تشعرون بالعنفوان عندما تسيرون عبر تلك الجبال الخلابة أو عندما تشاهدون كافة الكائنات التي تعيش عليها؟ هناك سور ديار بكر. من جاء وعبر من تلك المنطقة الصخرية؟ أقول “لا بد أن نفتح الطريق”. إضافة إلى ذلك، تعتبر جغرافية جميلة ورائعة!.. إنها وحدها التي تمنح جواً رومانسياً لروحي. ولا يحسون بذلك!.. إنه لأمر غريب جداً. ألا يوجد أحد يقول “أنني أتأثر من الأعماق من وطني”!. بل أنهم يحاولون الهروب منه. ومازالت نفسية الهروب التي خلقها العدو مسيطرة عليهم. مثلاً، حتى لو قيدوني بالسلال الحديدية، لن أستطيع الشعور بالراحة في أوروبا. إنني هنا أحس بالراحة بحجة أنني أستطيع البقاء هنا، لأنني وجدت إمكانية النضال الكبير وبشكل يتناسب مع هدفي. وإلا اصبت بالجنون. كيف يبقى مثققونا مرتاحين في أوروبا؟ المسألة ليست البقاء هناك جسدياً. فبدلاً من أن تتعرضوا للقتل الجماعي، بإمكانكم البقاء أيضاً كمثقفين في المنفى، ويمكن القيام بنشاطات قيمة وعديدة، لكن ما أرغب ذكره؛ هو شيء مختلف أكثر من هذا. وهو كيف تستطيع قلوبكم وأقوالكم البقاء بدون وطن؟ كيف تستطيعون العيش بقلب كهذا؟ اسأل ذلك من شعبنا أيضاً. أعلم إنهم يلاقون أزمات اقتصادية، وقد هُجِّروا بتهديد المجازر، وأنني أكن احتراماً كبيراً لذلك. لكنني أرى أن بيع القلوب والمتاجرة بها والابتعاد عن الجوهر تدريجياً يشكل خطراً جدياً. إن لم تستطيعوا محاسبة مرتكبي تلك المجازر الذين أوصلوكم إلى هنا، وإن نسيتم وطنكم وكيف أنه كان مسكناً للحياة؛ حينها سأشك بإنسانيتكم. سواءً أكنت عالماً أو رجلاً ممتازاً في أوروبا. وليس له أية قيمة عندي، وأقيمه من هذا الجانب.
دعك من أن يكونوا ذوي عقل وضمير حي وحر؛ فهؤلاء قيدوا من عدة أطراف بالسلاسل وهذا ما يجعلهم عديمي الفائدة لحد كبير. فإن لم يكن ذا قلب وضمير حر، لن تتطور أية قابلية لديه. ولكي اجتاز مثل هذه الأوضاع استجوب نفسي باستمرار. كما ترون، الثورة هي أبرز جواب لتلك التساؤلات. وهناك المشاهد التي تعاش كل يوم. حتى أنه هناك أمور عديدة مثلها أود تطويرها أكثر. لكن في المقدمة أتناول شخصيتي، كيف سأصبح قوة مؤثرة أكثر؟ حتى أنني أفكر بأية محاولات أو حملات أستطيع هز عقل وقلب هذا الشعب؟ بدأت تظهر في الآونة الأخيرة الحركات التمثيلية لدي تدريجياً. إنهم يتابعونني وكأنهم يتابعون مشاهدة فيلم سينمائي أو مسرحية شعبية. أرغب أن أكون جواباً لظاهرة انعدام الفؤاد التي أشعر بالغضب وأنفر منها. فقد أنشأت وأوصلت نفسي إلى درجة، أخذ الجميع يتساءل، بما فيهم العدو، ليلاً ونهاراً “من هذا، كيف يعيش؟”. أنا أيضاً أرغب بإدامة العمل بهذا الشكل بالتساؤلات الجوهرية وإلا ليس لهؤلاء ما يعرفون عدا هذا.
لدي الآمال والأهداف، كذلك ما أكن الحنق له. وأنا مرغم على إيجاد مخرج لهذه الجوانب. ومن هذا المنطلق، فأن التطورات الأخيرة لها مدلول أدبي. أتقن هذا بشكل افضل ليس فقط في لغة الكتابة وإنما في لغة الشعر والحياة والتصرف والحركة. تتغذى الثورات الأخرى أيضاً على فترة عشرات السنين من الأدب. فعلى سبيل المثال؛ تم التحضير للثورة الفرنسية قبل خمسين عاماً من بدئها. كذلك مُهد للثورة الروسية قبل ثلاثين عاماً. لكن هذا الأمر لا يحدث لدى الشعب الكردي. لهذا السبب تعتبر الآداب كالرصاص والطلقات والنظرية. وحتى النظرية والممارسة العملية، جميعها مرغمة على أن تكون مع بعض. فهي ستصبح القلب من ناحية، ومن ناحية أخرى ستصبح نهاره. وأن جميعها ستتشكل معاً. وهذه سمة من سمات الثورة الكردية. على الذين لا يدركون ذلك القيام بالتدقيق، ليتمكنوا من إدراك ما أردت قوله بهذا الشأن بشكل أفضل. إن الموقف الذي يقضي بأن يتم تدوين الأدب الكردي أولاً ومن بعدها تكون الثورة الكرديةِ ثانياً يعتبر موقفاً خاطئاً. لأن الاستعمار نظم بشكل لن يترك أية فرصة لنتفوه بكلمة واحدة. لأن النطق بكلمتين كرديتين سيكون ثمنه الإعدام، ولا فرق ما إذا أطلقت طلقة أو تفوهت بكلمة كردية. فعقابها واحد. وليس لهذا أي جانب لا يُدرك.
فكرت ملياً بمناسبة حلول الذكرى الثلاثمائة لكتابة رواية مم وزين لأحمد خاني، وماذا يمكننا القيام به في هذه المناسبة، وتوقفت على هذا الأمر في التحليلات بكثافة، ووجهت العناية البالغة لها. الاستدلالات التي قمت بها، اضطريت إلى القول: إن تم تقييم هذه الكتابة علمياً وبشكل واقعي، فأن تلك المرحلة تعتبر بداية التحركات الاولى للتحول إلى التكوين الوطني في كافة أنحاء العالم، كذلك مرحلة تطور فيها الحقد والغضب تجاه أحكام القيم الإقطاعية. إضافة إلى أنها المرحلة التي ظهر فيها الشعر والنثر الوطنيين والصياغة البليغة التي نطلق عليها نمط الملحمة رويداً رويداً على الساحة. ومن المستحيل أن يصل أحمد خاني كمثقف إلى الآذان الصاغية في التكوين الوطني الكردي. علماً أن السلطنات والملكيات التي وحدت العرب والترك والفرس كانت قوية جداً. ولا يُشاهد ذلك عند الكرد.
للملك مكانة مهمة جداً في بناء التحول الوطني، حيث يعتبر عاملاً مؤثراً لتوحيد الشعب ـ الوطن أمام الإمارات. وتماماً في هذه السنوات كان هناك ملوك للعثمانيين كذلك ملوك إيرانيين، ولكن عندما تنظر إلى الكرد؛ فأنك لا تجد أحداً. بالتالي فالملك يتموضع ضمن مفهوم إيضاح ويقوم بالتوحيد.
عندما يبدأ أحمد خاني بكتابته يذكر هذا، وهو مدخل هام جداً. بعدها يتطرق إلى التجزئة والتشتت التي تشكلت، وبالتالي التخريبات التي سببتها الإمارات الإقطاعية في بنيتنا، وكيف أنها لم تقُم بتوحيدهم، وكيف تتمزق العواطف. عليكم أن تتناولوا العاطفة تلك على أنها العاطفة الوطنية، لأنها الفكرة الرئيسة. حتى إن تم التعبير عنها في شخصيتي مم ـ زين، إلا أنها تشكل عنصر التوحيد وعنصر العاطفة، لكن الإقطاعية المنحطة لم تدع هذا ممكناً أبداً. وبقي ضمن الآلام الكبيرة. قيِّموا عدم تطور هذا العشق على أنه عدم تطور الوحدة والعاطفة الكردية، وعدم تطور هذا العشق على أنه عدم تطور الوحدة والعاطفة الكردية. وأن عدم التطور، لا يعبر عن نفسه بالانحلال، حيث يتدخل واحد او اثنان من الحكام ويزج في سجن الحاكم الإقطاعي وينهار فيه ويبقى صامتاً ويحترق.
النتيجة؛ هي أن عاطفة الكرد لم تستطع تجاوز الثلاثمائة السنة الأخيرة. لاحِظوا أن الاستعمار في تلك المرحلة لم يكن عديم الرحمة لهذه الدرجة. حيث كانت الكتابة باللغة الكردية موجودة. والأميرية في بوطان كانت تماماً إمارة كردية، لكن على الرغم من ذلك تشكل عقبة أمام الوحدة الوطنية والعاطفة الوطنية. وتم التعبير عن هذا في رواية مم ـ زين على أكمل وجه. حيث أنها تحتوي على الأدب وتصف تطور المرحلة بشكل دقيق ويتم التعبير عن معاناة ومأساة الشعب بكل ما في الكلمة من معنى. لكن مع الأسف لا يتم تقييم وتدقيق هذا بشكل واقعي.
ما هو الوضع بعد ثلاثمائة عام؟ إن مدلولي الأول هو عدم وجود أي تباين بين رفاقنا وبين مم ـ زين. لكن لا يوجد أمثال أحمد خاني أيضاً. يموتون بكل بساطة في الجبال. علماً بأن نشاطي وعملي أكبر بكثير مما حدث قبل ثلاثمائة عام، لأن إحساسي العاطفي كبير جداً برأيي. ويخوضون حرب الحياة بشدة. إنه أمر ملفت للنظر! ومقاوماتهم هامة للغاية. القلوب جافة، ولا أحد يستفسر عن سبب هذا حتى الآن، حتى أنه لا يتم التعبير عن الأحاسيس الموجودة في الجغرافيا. بلا ريب بعد مرور ثلاثمائة عام، الجهود التي بذلت من أجل انعاش القلوب تجعل الإنسان يعيش في صدمة، وربما وصلت باتجاه الصفر. لكن لا يستخلص منها أية نتيجة.
أفكر ملياً، بأنه لماذا ظل ضميري حراً؟. هذا مهم بالنسبة لي، ويجعلني أعيش حماساً كبيراً. وإنني أشعر بحماس كبير من رائحة التراب ومن الغيوم الحبلى بالأمطار ومن البرق ومن منظر قوس قزح ومن زقزقة العصافير ومن الألوان وأشعة الضوء. لا أملك متسعاً من الوقت للاهتمام بها كثيراً ولكني ولهان بها لدرجة الهيام. أنشغل وأهتم بالعصافير وبجريان المياه التي تجري نحو الأطلال. في الواقع كل واحدة من هذه تشكل مصدراً للإلهام.
لا يوجد من استخلص أية نتيجة من هذا. أقول ذلك فقط بشأن مفهوم الوطن. إضافة إلى ذلك أن سمات بارزة أكثر وما سيقرأ عن الأمهات والآباء لا يختلف عن الرواية. الحزن والفقر واليأس الموجود عنده على الأطفال. مثلاً دققوا في الطفل الكردي! إن كان لديك ثمة ضمير، من الصعوبة أن تتمالك في ذلك.
أذكر ذلك مراراً للأمهات والآباء؛ بأن مستقبل الأطفال مجهول ومظلم لدرجة أنكم في وضع لن تستطيعوا منحهم أي شيء سوى أن تحضنوهم مثل الصنم بين الحين والآخر بحب رخيص. الأوروبيون لا يفعلون ذلك. وليس لديهم حب من هذ الشكل. لماذا؟ لأنهم قاموا بأمور أخرى من أجل اطفالهم وإن حبهم عقلاني وذو مستوى عالٍ، لأنهم جهزوا لهم أموراً على أساس مادي، لذلك لا يدخلون في الشكليات. حتى أنهم لا يرون حاجة لذلك.
لكن عندنا، فهذا ملفت للانتباه كثيراً. أي لا يدعونه يبتعد عن أحضانهم. دعوه، لا للبقاء ضمن غابة، بل ليتعلم كيف يسير على قدميه بنفسه! وكما ترون، عندما أرادت والدتي تطبيق ذلك علَّي، دخلت في صراع عنيف معها. وقلت لها “لماذا تدَّعين بأن لكِ الحق في إدارتي، علماً انكِ ارتكبت ذنباً لأنكِ أنجبتني إلى عالم لا يمكن العيش فيه؟”.
لي طراز مغاير للاقتراب من الأطفال، وإن أغلب الرفاق لا يدركونه. يدّعون بأنهم سيحبون بعض الأشياء بنمط كلاسيكي. هذا غير ممكن! انظر إلى شكل ونمط تنشئتهم لأطفالهم، أجد فيه قلة الاحترام والحب بشكل كبير. ماذا سيكون مستقبل الطفل؟ أنت بنفسك تعيش مصيبة، حينها كيف ستجد مكاناً له؟ إن كنتم تحبونه من الصميم وإن كنتم تملكون ضميراً وقلباً كأم وأب، فماذا سيحدث لمصير الطفل؟ لا يملكون أي ضمان مادي سليم. إضافة إلى ذلك سيخدمون أية أمة بأوضاعهم هذه؟ لأن كافة الأمم تطورت، ولن يمنحوهم فرصة العمل كثيراً. إنه انهيار فظيع وحتى لا يرغب أي من كتّابنا أن يفكروا في ذلك. لكنني أفكر وأحارب أيضاً وبصراحة.
بمقدوري التعبير وتوضيح الكثير من قبيل هذه الأمور. لكنني انشغل وأهتم بقاعدتنا والناس المحاربين. أي أقول “لا يمكن خوض الحرب بدون قلب وعاطفة” و “من لا يكون صاحب جرأة عظيمة، لن تكون ممارسته عظيمة”، إنني مرغم على قول الشيء ذاته من أجل مثقفينا أيضاً. من لا تكون له لغة وجرأة كبيرتين، لن يتطور عنده التنوير على الإطلاق. لاحظوا الكلاسيكيات العالمية التي تحتوي على اللغة والعواطف الجياشة التي يُدهش لها الإنسان. فمثلاً هناك زكي موران وهو عاطفي جداً، بالرغم من أن لديه جوانب معرضة للانتقاد، فهو ينظر إلى الحياة بلغته العاطفية وبعمق لدرجة كبيرة. وينبغي إبداء الاحترام الكبير تجاهه وما يعبر عنه من مستوى صوته. برأيي حيل الحرب الخاصة هي التي أودت بحياة زكي إلى الموت. لقد كان مفعماً بالعواطف لحد كبير وخبيراً مدهشاً في إعداد عواطفه عبر الفن.
والآن انظر إلى رفاقنا؛ عواطفهم في أية مستوى؟ عليهم تسيير ممارسة أكيدة ضمن تكوينة جدية جداً. أي أن يغدوا لغة أرض وطنهم. لقد سردت حكايتي مع والدتي. ووصفت كيفية اتصالي مع الإنسان الكردي. كذلك نوهت إلى ارتباطي مع الأرض الكردية. وبإمكاني سردها أكثر، أي، إنني أقوي إنسان يجيد إنشاء العلاقة مع الطبيعة. إن لم نهتم بالإنسان الكردي، لما كان بمقدورنا خلق هذا التنظيم أو تسيير هذه الحرب. إذ هل كان من الممكن إطلاق رصاصة؟ يوجد هذا القدر من الشابات والشباب، يعيشون بهذا الشكل أخطر الأوضاع. وأن التحكم بهم يتطلب لوحده إمكانات كبيرة. فكما تعلمون الشبان ينهضون للهروب حالاً. لذلك إن القيام بتربيتهم مهم جداً. ويتطلب من الأدب أيضاً كي يصل إلى معناه أن يقيم هذا العمل كأهم جهد نبذله.
نركز على مصطلح العشق أيضاً. وينبغي معرفة أن هذا المصطلح يعتبر أحد المصطلحات الأساسية في الأدب ويتطلب إلقاء الضوء على مصطلح العشق ومم وزين. لكن مع الأسف، يعاندون من أجل القديم، وإنني أنفر من العواطف الموجودة لديكم. ومن الممكن عرضه عبر الحب الجميل. إن لم تتخذ هذا بعين الاعتبار، فكيف ذكرت الخيانة؟ إلى أين ستمضي؟ حتى أنه ليس لديك مكان تلجأ إليه. أو أن الجنسية الفظة التي ستلجأ إليها، ستعيشها لعدة أيام، وبعدها تبدأ الضرب ومن ثم الهرب. هذا هو الجانب الذي يغضبني وليس ذو قابلية على الحب. ليتكم عرفتم كيف تحبون، حينها لخدمتكم حتى النهاية.
هذه هي حقيقة الكرد نوعاً ما. لا يملك العشق ولا العاطفة وما يبدر منه أسوأ من الخيانة. وهذه أيضاً المشكلة الأساسية للأدب. وأن حقيقتنا الوطنية 90% بهذا الشكل. تتقدم هنا المرأة التي لها لسان، والنساء اللواتي يسهرن على أقدامهن من كافة النواحي. ولا يجوز البدء بالكلام مع العبيد. أجل، لا يجوز أن يكون للعبيد لسان وعاطفة. ولن يكون للذي ارتبط بالنظام بشكل كبير النجاة. وأن أخذناه إلى مكان ما، فكم من المال يستحق؟ ضعه في غرفة، فماذا تستطيع أن تفعل به؟ إنه كالجسد. ماذا سينتج من جنسية فظة تماثل ما لدى الحيوان؟ أقولها بهذا القدر من الصراحة. إذ مازال هناك التهرب من إدراك ذلك. فالعلاقات التي يتم ذكرها في الظاهرة – علماً ان هذا بالمعنى السلبي برأيي – هي بالمعنى الكلاسيكي.
أشعر بالحاجة لإعطاء رأس الخيط؛ عندما يتم تطوير الأدب ينبغي ألا نُظهر فقط النموذج في فترة التكوين البنيوي للثورة. إنما إظهار النموذج القائم في مرحلة ما قبل الثورة، النموذج الذي تم إنهاء عاطفته ويمكن استخدام هذه الجوانب في الرواية والنشاطات الأخرى للفن.
كيف سنعّرف الكردي المنتهي؟ وكيف تم إنهاؤه؟ من هو الكردي المنتهي والساقط والمنهزم لدرجة الانحطاط، والهارب الذي يترك الارض بكل بساطة، والذي يتسبب في تقبيح العلاقات؟ كيف وصل الكرد إلى هذا الوضع؟ إذاً، هل المقاومة ممكنة؟ هل من الممكن مناداته الحب والثورة؟ هل هناك امكانية لإخراجه من حالة الانهزام إلى النصر، ومن الجبن إلى الجرأة، ومن القبح إلى الجمال؟ كيف ستنهضه؟ ستنظر إلى العدو الذي أودى به إلى هذا الوضع، وستخوض هذا الصراع السيء تجاه العدو. تعرف على عدو الشعب الكردي! بداية أدعوه للقاء ومن ثم ستقوم بنداء التعرف وبعد ذلك قاوم إن كان لديك امكانية المقاومة. قاوم باللسان والأيادي. قاوم، قاوم “المقاومة حياة” انه شعار المعتقلات. وهذا شرط أساسي.
أجل المقاومة حياة والحياة مقاومة. لكن المقاومة لوحدها لا تكفي، إضافة إلى أن الهجوم الذي يبلغ النصر أيضاً مهم جداً. أنتقل إلى الهجوم من كل الجهات. عندما أطور هذا، أقصده كقول الحزب، الحزب وهو قول الكرد. إن لم يبلغ النصر، فإن الخبز الذي يتناوله حرام عليه. ماذا ستمنح لهذا؟ بلا شك، لا أقول هذا بالمعنى الكلاسيكي، إن ما أود ذكره هو مغاير نوعاً ما، وهو أنك لن تعطيه الأكل والشراب ولا حتى حق النوم. ستتركه دائماً على الشوك.
عندما تخلق الكرد، ستقول أنه هناك حاجة لبعض من الانتصارات الكبيرة من أجل كسب الحق – علماً بأن أسلوبي هو على هذا الأساس – لأنه لا يوجد طريق آخر. وأطبق هذا غالباً على نفسي. جهز نفسك بالتنظيم والممارسة واجعله يعيش لأمد طويل، ومهد السبيل لعدة انتصارات مهمة! كما ترون، عندها أقول بإمكانك أن تكون مرتاحاً.
بدون خلق الكردي الجديد، يكون كل شيء منحط. كما ترون أن حب الكردي، ونمط حياته هو وظيفة أساسية للأدب الكردي. وهو فن يعبر عن سمو العلاقة الثنائية والحياة. وأن مهمة الرسم والشعر والموسيقى أيضاً هي جعل الحياة جذابة وجميلة وجريئة وإيصالها لدرجة يعجب بها. وكما تعلمون أن العشق هو ذروة لهذا. لست مناهضاً للعشق، بل على العكس تماماً أقيم نفسي كقوة إبداع كبيرة للعشق. كيف ذلك؟ من خلال الحرب!
لا أود ترك هذه الأراضي والشعب بسهولة. لهذا السبب تتطلب حرباً عنيفة تجاه العدو! كان لدي أيضاً طموحات كبيرة. أينما طرقت باباً أعاق العدو ذلك. لماذا أذكر أنه لدي رغبات معقولة كثيرة؟ لماذا تركتني هكذا متخلفاً؟ أرغب أن تدققوا بي كطفل كردي.
وجدت بأن الجميع أصبح عائقاً أمام أبسط طموحاتي. ابتداءً من أمي وأبي في المقدمة وتدريجياً إلى كافة أهل القرية ومن ثم من هم في المستوى الرسمي والدولة. عندما يكبر الإنسان الكردي حسب ما يقال، أو بالأحرى قبل أن يكبر يكون منتهياً، ويصاب بمرض الكساح قبل بلوغه السبعين من العمر، مشلول ومثل الطفل الذي لا يكبر. إنني قاومت هذا. وهذه هي الحرب.
لم أكن أملك أية قوة. فكرت لشهور وأعوام، ماذا سيحل بهذا الطفل؟ أذهب إلى المدرسة وأتعلم بصعوبة كبيرة. أرغب في أخذ قطعة من الخبز ولكن يدي كانت تصله بصعوبة. حتى أنني عندما أردت شرب قليل من الماء لأروي عطشي، كنت أفتقر إلى إمكانية ذلك، كل ذلك كان مشكلة بالنسبة لي، وهكذا بدأت وقلت لنفسي، أنني سأعيش. كانت فترة المرحلة الابتدائية بمثابة رواية مثيرة، لأنني كنت أذهب باستمرار إلى المدرسة وأعود من القرية المجاورة خلال ساعة. استيقاظي الصباحي والعودة كل مساء كان معضلة كبيرة.
المحاسبة التي عشتها مع نفسي، حيث كنت أقفز فوق الصخور المتموضعة على صدر الروابي وأنزل منها، كل واحدة منها كانت بمثابة جبل آكري. مرة ثانية الصعود والنزول. الطعام الذي تتحدثون عنه! كل ما كنا نكتفي به كان عبارة عن بيضة وكسرة من خبز الذرة، نصرها في قطعة من القماش ونضعها في جيوبنا. أيضاً كنا نخجل. ونذهب إلى بساتين أشجار الزيتون العائدة للقرى المجاورة. كيف كنا نأكلها؟ كل ذلك كان يتم بصعوبة كبيرة. وكل مرحلة دراسية كنت أتخطاها، كانت بنظري بمثابة كسب عالم. خاصة عندما كانت المرحلة الدراسية على وشك الانتهاء، أيضاً كانت بمثابة نجاح كبير.
أي إنني أتناول نمط وشكل التربية هذه كسنوات يتطلب أن يعيشها طفل في طريق الحرية كلياً. في الحقيقة، حبذا لو كانت لدي الفرصة اللازمة لإحياء ذكرياتي. إن تمكني من قراءة الحروف الأولى واكتسابي الدرجة الأولى لوحدها مهم جداً. وقد اهتم المعلم بي كثيراً وأخذني إلى جانبه في بيته وقدم أولاً الطعام لي. وما زالت القرية المجاورة حتى الآن تحبني وتهتم بي، وقد ضحوا بسبعة شهداء. تماماً مثل الأرمن القدماء الذين يتحدثون بالتركية. فالعديد منهم كانوا مؤيدين لنا، علماً أنهم متعاطفون للمرحلة الطفولية. وقد مهد السبيل لهكذا تأثير بشكل لا يصدق.
أقدم جميع رؤوس الخيط. إنني أقول هذا الآن، لأن بلوغ ظاهرة الجرأة وحتى يومنا الراهن هام جداً بكل تأكيد. من المهم جداً إدراك هروب كردي. وإلى أي حد يمكن مناقشة ذلك؟
هناك بعض من اهتماماتي؛ إذ أنني انتظر ذلك بحماس كبير. لن أتوقف لأنه من المستحيل الانتظار من أجل موت بسيط. إنني أخلق تنظيماً عظيماً. في الأساس كانت لدي مخاوف كبيرة. وأنظم ذاتي في مواجهته. حينها ستقول؛ هل يضحي الإنسان بذاته من أجل قومية لهذا السبب؟ أجل، إنني أضحي. يجب اسيتعاب هذا على النحو التالي؛ ستعون كيف ضحيت بذاتي من أجل الشعب. بالأساس إن لم يكن ذلك علمياً وسياسياً، لما تمكنت من ذلك. الجميع يريد مني أن أصبح آغا. الجميع عندنا يصبحون أذيالاً ممتازين. وتعلمون أن أقواهم هو في أية حالة. كما تلاحظون أنني لا أبيع ضميري. ولكي لا أكون فرداً كهؤلاء، أعمق نفسي بشكل لا يصدق.
بإمكاني القول بأنني حر الآن نوعاً ما وليس هناك من تعرّف على واقع شعبه بشكل يضاهيني. وليس هناك من ينادي بالأهداف الوطنية ضمن الحزب وخارجه بقدري وكذلك بالنسبة لتسيير الحرب. وليس هناك من أعطى الضرر لعدوه مثلي. ولا المصرّ بقدري بشأن حقيقته.
أي، عندما أقول “أنا” لم أعد ذلك الطفل القروي المسكين. والذي تم هنا هو خلق وإظهار شعب. والشعب يقول أنك تلزمنا كثيراً. أينما حللت أقول لأكون “أنا” لنفسي قليلاً، لكن هذا لم يكن ممكناً. هنا يصبح “أنا” شخصية شمولية اكتسبت شعباً. أرغب بالخلاص ولكن ذلك مستحيل. وهذا هو الأمر الذي تحقق. ما زالت لدي بعض النواقص ولكن الأمر قد تحقق.
أقول، حبذا لو أتم فرد هذا العمل أو أخذه مني وتابعه. لأنه حتى إذا لم أقل بأنه عمل ونضال مكثف، إلا أنه لو ظهر فرد لكان أمراً جيداً في الحقيقة. وانطلاقاً من هذا ابتدأ سباق شبابي بشكل عظيم. ولا حاجة هنا أبداً لمصطلحات مثل الديكتاتورية، إذ أننا أمام واقع شعب بلغ سن الكهولة، لكنه لم يكبر وبقي مثل طفل في السادسة من عمره. ومن الواجب تربيته وتنميته. إنه من أقدم شعوب العالم ولكنه لا يتعدى بقامته مقدار شبر. لذا إنني مرغم على إجراء تقييم هذا. وعليَّ أن أغير ذلك المستوى من العمر إلى حياة طبيعية فوراً. ومن أجل القيام بذلك فإنه يتطلب مهارة عظيمة. في الواقع ليس لهذا الشعب اسم. ولا يعده العالم كشعب صاحب حق. وحتى أنهم لا يذكرون “سيكون لهذا الشعب أيضاً حقوقه القومية وحق الحياة وحتى حقوق الإنسان”، إن لم يرَ المثقف هذه الحقائق فلا يمكنه أن ينشئ الروابط مع شعبه مطلقاً. ولن يستطيع إصدار أية نتاجات ولا القيام بالأدب.
حتى لو إنكم لم تأخذوني مأخذ الجد إلا أن هذا الشعب يكبر كطفل وسيقوم ببعض الأمور. أقول للمثقف ما يلي “انظر، هناك إمكانية لنمو وتطور هذا الطفل، ومن الممكن أنه يتجه نحو تحقيق آماله في الحياة”. ربما يكبر الطفل مثلي، ومن الممكن أن يكون بدائياً وغير جاهز، وربما لن يعجب بكل شخصي ولكن على الرغم من ذلك تحققت الأهداف. علماً أننا لا نفرض أنفسنا على أحد ولم أتوسل لأحد للمجيء إلى جانبي ولم أتوسل من أية دولة مطلقاً ولم أقل للأمريكيين والأوروبيين “استرحمكم وأرجوكم، قوموا بذاك العمل”. إذ يعتبر ذلك قاعدتي التي أعتمد عليها. ولم أتوسل حتى ولو بشكل بسيط من الشباب القادمين إلى هنا. لأنني امتلك نمط حياة خاصة ووفق ما أبغيه. وبمقدوري جعل الجميع يلتزمون بذلك. كما تعلمون إنه بدون استيعاب هذا لا يمكنكم استيعاب الكردي المنبعث. والمسألة هنا لست “أنا”، إذ ليس هناك شيء يدعى “أنا”. هذه هي الظاهرة التي تمت إنجازها. هذا تعريفٌ لكرديٍ يسعى لعمل بعض الأمور، ولمحارب بالمعنى الكردي الذي وعى وانبعث. وإن وضعاً كهذا يتم معايشته.
بلا شك “أنا” أيضاً موجود ولكنني موجود بهذا الشكل؛ إنني موجود كوني فرد في خدمة ذلك وموجود لخدمة كبيرة وكصاحب جهد لا يستهان به. وأنني ما زلت أُدير العمل كموجِّه عسكري وفني عظيم. وأسعى للتعرف على الحياة كطفل يكبر وينمو حديثاً.
يعتبر العشق هدفاً للأدب ولا يمكن للإنسان أن يغدو أديباً بدون العشق. كما تلاحظون أنه لم يتم استيعاب هذا بعد. إذ أن عشق الكردي بحد ذاته مصطلح أدبي. كيف سنقوم بتعريف العشق؟ أكثر رجالنا المعجبين بأنفسهم يقومون بأكبر الشنائع المنحطة لمجرد عثورهم على فرصة صغيرة. لهذا الحد يعتبر الكردي خطراً. إذ علينا تحليل هذا، فنسبة 90 % من الكرد هم على هذا النحو. إن بقوا أحراراً فإن أكثرهم سيجربون هذا. إنها تراجيديا ومأساة كبيرة. إنه وضع تراجيدي وكوميدي! يقوم الأدب بسرد هذا النمط أيضاً. وعليه أن يجد أسلوباً آخر أيضاً. إذ أنه حتى الطيور إن لم تعثر على مكان آمن، فأنها لا تبني أعشاشها. لنقم بخلق منطقة تستطيعون فيها ممارسة الحب بسهولة وكذلك العشق. ليكن لدينا القليل من الأموال كي لا نعاني الجوع، ولنهيئ مناطق بهذا الشكل نوعاً ما لكي تستطيعوا التفكير بشكل سليم. لكن الغرائز التي تهيج مثل غريزة الجوع والغريزة الجنسية وما شابهها. هكذا أقفز أربعين قفزة من أجل غريزة الجوع، وأنهِ نفسك تماماً من أجل غريزة العلاقة الجنسية والغرائز الأخرى قبل أن تبلغ 15 ـ 20 من عمرك، ويعتبر هذا مثل لعبة سباق الخيول، وهي لعبة كبيرة.
هنا بمقدورك خلق الجرأة وتسخير علم الجمال قليلاً ضمن العمل، وأنك ستبذل جهداً كبيراً في سبيل قتل المجاعة، لأن الفرد الجائع يبيع كل ما لديه. وأن الغريزة الجنسية، غريزة عنيفة. إن لم تقم بتربيتها ولم تحدث التحول فيها، حينها ستنهيك بكل تأكيد. طالعوا وابحثوا كتب فرويد والعديد من العلماء الآخرين، وأدعوا رفاقنا لدراسة نتاجاتهم، إن كانوا يرغبون القيام بالعمل الأدبي. لدينا أيضاً أمثلة عديدة ملفتة للنظر وعليهم أن يدرسوها لكي تبدأ المرحلة الأدبية. إنني لم أخلق جانبه الأدبي فقط، إنما أرغب في تجسيد نشاطات وسياسة وتطبيق حياته أيضاً نوعاً ما. إني أقوم باتخاذ التدابير، لأنني إن لم أستوعب ذلك سنخسر جيشنا وستطعنني الخيانة من الخلف والأمام والأطراف. لذا عليَّ ألا اتوقف أبداً وأن أكون عنيداً جداً.
لا يكفي أن يكون الكتاّب مثل أحمد خاني أيضاً. إننا نريد أن نصبح ملوكاً مثلما رغب هو. وحتى هذا أيضاً لا يكفي. أي خلق مم من جهة وخلق زين من جهة أخرى. فخلق الأدب الكردي وعشقه وحدثه مرتبط بإعطاء الأجوبة لهذه الأسئلة.
*جزء من كتاب “التاريخ مخفي في يومنا ونحن مخفيون في بداية التاريخ” – /منشورات مدرسة مظلوم دوغان للكوادر/ طبع ونشر – شيلانا-2016م,