رواية 7 الكوبة تجسيد للمأساة العفرينية ــ هيفاء محمد
رواية “7 الكوبة” لـ سلام حسين (وهو كاتب كردي سوري من مدينة عفرين)، تروي لنا الواقع الاجتماعي والأحداث التي جرت في منطقة عفرين الكردية بشمال غرب سوريا خلال سنوات الإدارة الذاتية الديمقراطية التي أعلنت في المنطقة عام 2014م وحتى فترة الاحتلال التركي في عام 2018م. وبدأت بحكمة وهي وصية جد لحفيده (إن قسم صديق لك تفاحة بينك وبينه واحتفظ بالقسم الأكبر لنفسه، فاتركه، لأنه صديق لا يمكنك الاعتماد عليه).
انعكاس للمأساة السورية
يتحدث الرواية عن مأساة الحرب السورية، وكيف كان يلتجأ آلاف العائلات من القرى والبلدات العربية في منطقة حلب وريفها إلى مدينة عفرين للاحتماء بها من آتون الحرب الطائفية في البلاد، بينما أصبح هو الآن وعشرات الآلاف من أهالي عفرين لاجئين ونازحين خارج ديارهم، بعد هجوم قوات الاحتلال التركي وبمساندة الفصائل المحسوبة على السوريين من مناطق حلب وإدلب وحمص واحتلالها قرى وبلدات ومدن منطقة عفرين وتهجير معظم سكانها من الكرد. نسوا إن عفرين كانت قد حمت حوالي مليون لاجئ ونازح من الداخل السوري، وأصبحوا بين عشية وضحاها في تفكيرهم العفن كفرة وانفصاليون ..الخ. أعمتهم الدعاية التركية ولم يروا ان أولى ضحايا قصفهم لمناطق عفرين كانوا من أطفال النازحين الذين التجؤوا إلى عفرين، أساساً لا يهمهم أرواح السوريين، إنها سياسة قذرة افتعلتها الدوائر العالمية وتنفذها دولة الاحتلال التركي وبمساعدة أناس لا يمتون للقضية السورية وثورتها المحقة بأي صلة، لقد أصبح هؤلاء رأس حربة وجنود تحت الطلب بيد تركيا التي تستخدمهم في حربها وعدوانها التوسعي في المنطقة.
السعيد في الورق تعيس في الحياة
والشخصية الرئيسية في الرواية شاب يدعى “عرفان” من مدينة جنديرس في منطقة عفرين، الذي يطلق على الإدارة الذاتية الديمقراطية في منطقته بـ “جمهورية عفرين الحرة”. وهناك “كورتاي” وهو صديق مقرب من “عرفان” ومسكن أسراره ورفيق دربه، وأيضاً أفكارهم جداً متقاربة، فكلاهما يشجعان فريق فرنسي، ويحبان آداب شكسبير، ويسهلون مصاعب الحياة على بعضهما. وكان لديه أصدقاء يجمعهم لعبة الورق (تركس)، حيث كان “عرفان” يؤمن بوجود (إله للورق)* الذي يتكون من 52 ورقة، وله حكمة يقول “السعيد في الورق تعيس في الحياة والعكس”.
تناقضات الحياة الاجتماعية
الرواية توضح أيضاً جانباً من الحياة الاجتماعية من خلال قصة حب فاشلة لبطل الرواية، والتأثيرات النفسية والعلاقات الغرامية الغير الشرعية بين الرجل والمرأة، من خلال رفض أهل الفتاة وحتى الفتاة نفسها طلب الشاب الزواج منها، فيلجأ الشاب إلى العلاقات الغير الشرعية لإشباع لذاته مع متزوجات لا تشبعهن أزواجهن حباً في ذات الوقت، فتسرد الرواية كيف التقى “عرفان” بـ “سلاف” أول مرة وكيف كان يفكر فيها ويشغل تفكيره؟ ورغبته دائمة بملاقاتها ومحادثتها. وعندما أراد التقدم لخطبتها رفضته أمها بسخرية وتقليل من قيمته كونه سيسكن معه أمه… وهي أكبر شأن منه، وأيضاً “سلاف” رفضته، فكانت بمثابة صاعقة، مما جعله يطلب من صديقه “كورتاي” الذهاب إلى قبر والده والشكوى له، إنه فخور به رغم رفضهن له. وخلال انتسابه للجامعة، تعرف على ثلاثة فتيات درسن معه نفسه القسم الجامعي، ليقع هو و”رؤى” في علاقة غرامية غير متكافئة كونها كانت متزوجة. فالمثل يطبق عليه تماماً “رجال الشرق يغرمون بواحدة ويتزوجون بأخرى”، وكان يعجبه فكرة الزواج الكائنات الحية فيما بينهم دون عقد زواج.
الحروب .. مأساة وحنين
وباندلاع الحرب الهمجية على منطقة عفرين يبدأ سلوك “عرفان” ومعظم شخصيات الرواية تتغير، فالأزمات تغير نفوس الشعوب لينحو إلى بعضهم البعض. فبدأ عرفان يشعر بأن زمن 7 كوبا قد انتهى بعد اندلاع الحرب الذي بدأت في 19 كانون الثاني 2018 بإرسال العدو الدبابات والمدرعات إلى منطقة عفرين وأيضاً الطائرات التي كانت ترصد الأجواء في كل لحظة، وكيف إن عفرين أصبحت مزيجاً من الضجيج والدم والنزوح. رأى كيف ينزح الأهالي من أراضيهم وديارهم، يتركون كل شيء خلفهم، وعيونهم ملأة بالدموع، هو لم يشأ أخذ شيء معه، حتى حذائه، فهي بنظره ستحرس منزله بغيابه وإن الحرب ستنتهي بالنصر والأمل. وخطرت “سلاف” على باله مجدداً وهي متزوجة، التقى بها وهي منهارة بعد استشهاد أخيها وارتمت إلى حضن عرفان.
ملاحظات.. لابد منها
يجب الذكر بأن أسلوب الكاتب في تمثيل وتجسيد الواقع العفريني، والمزج بين الحب والحرب، وربط ودمج الأفكار، كان ملائماً، وشيقاً، وسلسلاً للقارئ، ولكن برأيي هناك جزء مفقود من النص، كون ليست لها نهاية، إلا إذا اكتفى الكاتب بما آل إليه الأمور بالنسبة لشخصيات الرواية بعد الحرب واحتلال المنطقة، واعتبرها نهاية للرواية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(إله الورق)، كان من المنتظر أن تصدر الرواية بهذا العنوان، لكنه رفض من قبل المكتبة الوطنية في الجزائر بدعوى أن الاسم خادش للمقدسات الدينية، مما جعل الكاتب يغير العنوان ليصبح (٧الكوبة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلام حسين:
كاتب كردي سوري، مواليد منطقة جنديرس/ عفرين سنة ١٩٨٨. درس اللغة العربية وآدابها في جامعة حلب كما درس اللغة الكردية في عفرين، عمل مدرساً للغة العربية في مدن منبج وإعزاز وعفرين، كما عمل مدرساً للغة الكردية لمدة أربع سنوات في عفرين وعمل في مجال الصحافة والسياسة. ورواية (7 الكوبة) هي الثانية له بعد “خطايا زهر الزيتون”، وتتألف من ٢٤٣ صفحة وصدرت عن دار بوهيما الجزائرية في عام2019م، كما له مجموعة قصصية باللغة الكردية بعنوان “مشانق المدن اليتيمة”.