الآن وقد اشتعلت مخيلته أشباحاً،
و بلغ من الشيخوخة عتياً،
حتى لا تكاد تميز بين ساقه المتآكلة
وعصاه التي يهش بها على أيامه الأخيرة،
وهي ممددة بجانبه
انتظاراً للحظة الوداع المطلة.
أشباح متفرقة تتراءى له هنا وهناك،
في كل لحظة غفوة واستفاقة،
تحمل لافتة تبدو بيضاء من شدة القتامة،
نقش عليها بمسامير من تجبر وحديد:
“بطشت بالبسطاء فيما مضى ظلماً,
الآن سيبطش بك عدلاً ما تبقى,
فلا تنتظر رحمة أو تخاف جوراً”.
يا من ظلم وصبر،
أتدري أنك نجوت،
من أطوار محكمة متعبة
من فرط عدلها،
لا تقبل من دخلها
برداء أخلاقي رث متقطع.
تذكر يا إنسان،
يوما ما قد تقف
أمام تلك المحكمة،
فاحرص منذ الآن
على خلو سجلك من كل جور،
لتمر من فصولها بسرعة،
دون أطوار استئناف ثقيلة؛
لتنال ميزة ‘براءة’
من ظلم خلق الله…
محكمة الشيخوخة،
محكمة عادلة،
لا يظلم فيها الناس؛
هي خالية من بند التأجيل،
ومحرم فيها حكم الإلغاء،
القاضي فيها ضمير،
والناس فيها سواسية…
هي ليست كمحاكم الطغاة،
التي تدحرج الإنسان البريء
من مرتبة مظلوم أعزل
إلى دركة مجرم شرس.
محكمة الشيخوخة،
محكمة اختيارية،
تصير لزاماً مع سن العجز،
سن تساقط أنياب التجبر حشداً حشداً …