أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

افتتاحية العدد (12): القصة في الأدب

 

تعد القصة جنساً أدبياً نثرياً سردياً لها أسلوبها وتقنياتها الخاصة مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى، وهي من الآداب الإنسانية القديمة كون رواة الأخبار والسير وقصص الأمثال والأساطير والحكايات والملاحم والمقامات المعروفة في تاريخ شعوب المعمورة ماهي إلا أوجه وامتدادات تاريخية لجنس القصة.

تعرف القصة عموماً بأنه فن سردي نثري يتناول حدث أو أحداث واقعية أو خيالية، يقوم بها شخص أو أكثر في بيئة معينة وتنتهي بغايةٍ ما، وتصاغ بأسلوب أدبي مشوق.

وتعود أهمية القصة إلى دورها في التطرق إلى قضايا الشعوب والمجتمعات ومشكلاتها وأمور الحياة اليومية ومعالجة واستخراج الحلول لتلك القضايا والأزمات، ولها فائدة في تلبية الحاجات الاجتماعية والنفسية وتحقيق المتعة وتعزيز الوعي والقدرات الذهنية للإنسان، وتتناسب درجة فائدتها مع الغاية التي يرمي إليها وأسلوبها الأدبي المؤثر على العقل والنفس وقدرتها على تمثيل الواقع وتطلعات الإنسان، وهذا يعني إن تميز الكتابات القصصية لها علاقة بقدرات القاص التي تمكنه من استخدام الخيال الأدبي وتقنيات وعناصر القصة من السرد والفكرة والحبكة والحوار واللغة والشخصيات والزمان والمكان وغيرها بشكل مناسب. وأهم خصائص القصة التي تؤثر في جذب المتلقي: وحدانية عناصرها، التكثيف والاختزال والابتعاد عن التعقيد والتفاصيل الغير الضرورية، التشويق أو الدراما أو الحيوية والديناميكية والصراع الداخلي.

وتعددت أشكال القصة حسب تطورها التاريخي إلى أن صنفت حديثاً حسب أسلوبها وتقنياتها وطولها إلى (القصة الطويلة والمتوسطة، القصة القصيرة، القصة القصيرة جداً). والرواية تصنف أيضاً من قبل الكثير من النقاد كقصة طويلة جداً، إلى أن أصبحت كل منهما مستقلة عن الآخر راهناً رغم الخصائص المشتركة والمتداخلة بينهما، فالرواية أطول من القصة، وتحتاج إلى عدد كبير من الشخصيات الرئيسية والثانوية لسرد أحداثها وتشغل فترة زمنية طويلة تمتد لأشهر وسنوات، بينما القصة تكتفي بشخصية رئيسية واحدة وعدد قليل من الشخصيات الثانوية لإيصال رسالتها، وتشغل فترة قصيرة وفي مكان واحد غالباً.

كما أنه وبالرغم من بعض التشابه بين القصة والحكاية، إلا أن الأخيرة تعرف بأنها سرد قصير لحادث مثير للاهتمام أو ممتع، أو مجرد حادثة أو حدث أو جزء من الحياة، وتغلب عليها الشفهية، وهي لا تتبع قواعد وتقنيات فنية على عكس القصة.

كما أن تداخل جنسي القصة والشعر  قديمة رغم تداولها في السنوات الأخيرة وظهور مصطلح “القصة الشاعرة” واعتبارها من قبل بعض النقاد كشكل أدبي جديد أو حتى كجنس أدبي مستقل، فالملاحم الأدبية التي ظهرت بين ظهراني بعض الشعوب هي بالأصل قصص أو روايات شعرية كملحمة “مم وزين” للأديب الكردي أحمدي خاني على سبيل المثال.

بدأت المحاولات الأولى لتطوير القصة في الغرب من الأشكال المعروفة للقصة “الملاحم، المقامات، رواة الأخبار والسير الذاتية، الحكايات” والتي وصلتهم في الشرق الأوسط في القرون الوسطى، من قبل الإيطاليان بوتشيو وبوكاتشيو، ومن ثم قام مؤسسا الأدب الروسي نيقولاي غوغول (1809-1852) وألكسندر بوشكين (1799-1837)، والأديب الأمريكي إدغار آلان بو (1809- 1849) بدور لافت في تشكيل عالم قصصي جديد عبر إدخال عناصر الرموز والرؤى والخيال فيها. فيما اُعتبر الفرنسي غي دو موباسان (1850- 1893) والروسي أنطون تشيخوف (1860- 1904) كمؤسسين للقصة القصيرة الحديثة من خلال ابتكارهما للتقنيات الفنية للقصة القصيرة وإدخال الواقعية والبساطة فيها. وقد لقب تشيخوف بـ “أستاذ القصة القصيرة”، فاتبع أسلوب السهولة والوضوح في القصة مبتعداً عن التعقيد والتفصيلات المملة والغير الضرورية والغموض في المقدمة والخاتمة وعن النهايات الخداعة للقصة، واتخذ القصة وسيلة وانعكاس للواقع وشؤون الحياة وجعل من الإنسان محوراً لها، يقول تشيخوف “إن هدف القصة هو الحقيقة المطلقة الشريفة»، وقد كان لقصصه الأثر البالغ في الحياة العامة الروسية وكان الممهد للثورة بعد وفاته ضد الاستبداد والعبودية والفقر في بلاده.

ومن كتاب القصة العالميين في القرن العشرين الذين ساهموا بتطويرها: الأرجنتيني خورخي بورخيس والأمريكي إرنست همنغواي والروسي دستويفسكي الذي اهتم بالنفس الإنسانية والقضايا الفلسفية ويعد أحد مؤسسي المذهب الوجودي والكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز المعروف بواقعيته.

وممن ساهموا في تأسيس وتطوير القصة العربية الحديثة:  ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، محمود تيمور، زكريا تامر، نجيب محفوظ، غسان كنفاني، محمود سيف الدين، يوسف ادريس.. وغيرهم.

أما في الأدب الكردي الحديث فقد ظهرت القصة في البداية كما أسلفنا سابقاً على شكل ملاحم وحكايات وقصص بصيغة شعرية على يد الشعراء الكلاسيكيين (فقي تيران، أحمدي خاني..الخ)، فيما أحدث الملا محمود بايزيدي ثورة  أدبية بإدخال الأسلوب النثري، واعتبر “فؤاد تمو” مؤسساً للقصة الكردية الحديثة من خلال نشره أول قصة كردية في صحيفة “روجاكرد” بإستنبول في السادس من حزيران 1913م.

وقد لعبت الصحف والمجلات بدور بارز في التأسيس لظهور جنس القصة بتقنياتها الحديثة وتطويرها في آداب شعوب المعمورة لقدرتها على استيعابها ونشرها على صفحاتها وبالتالي الوصول إلى القراء والجمهور بكل سهولة، ولاتزال المجلات الأدبية خاصة تلعب بهذا الدور على الرغم من ظهور وسائل مختلفة للنشر. ومنها مجلتنا – شرمولا- التي نشرت حتى عددها الحادي عشر (90) قصة بالعربية والكردية من بينها (14) قصة مترجمة.

وفي نظرة لواقع “القصة” في شمال وشرق سوريا نلاحظ غلبة الرؤى الواقعية والمضمون الاجتماعي والوطني على معظم النتاجات الصادرة منذ عام 2011م تماشياً مع التحولات والتغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المنطقة بدءً من ذلك التاريخ، إلا أن معظم الكتابات القصصية تعاني ضعفاً في استخدام التقنيات الفنية والجمالية ومنها الرؤى والخيال والأسلوب الرمزي، إضافة إلى تداخل غير موضوعي في الأجناس الأدبية.

ويُنظم منذ 2014 مهرجان للقصة الكردية من قبل اتحاد كتاب الكرد في سوريا وبتعاون هيئة الثقافة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في السنوات الأخيرة، وفي عام 2017م أطلقت هيئة الثقافة مهرجان أوصمان صبري للأدب ليشمل أجناس القصة إلى جانب الشعر والمقال وباللغات الثلاثة (الكردية والعربية والسريانية) وخصصت مسابقة المهرجان للعام 2021 للقصة بكافة أشكالها، كما يقيم اتحادات للمثقفين مسابقات محلية تشمل القصة كمسابقة البحتري للأدب في منبج.

ونظراً لأهمية “القصة” كجنس أدبي وقدراته التأثيرية على الجمهور فقد ارتأت هيئة التحرير في المجلة اعتمادها كملف للعدد الجديد (الثاني عشر)، إضافةً إلى أنّ العدد يحتوي على مواضيع ونتاجات أدبية أخرى قيّمة، راجيةً من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.