افتتاحية العدد (20): لِمَ يصلح الأدب؟
الأدب هو فن التعبير الذي يستخدم اللغة المكتوبة أو المنطوقة لنقل الأفكار والمشاعر والتجارب البشرية.
وتتنوع أشكال الأدب بين الشعر والرواية والمسرح والقصة القصيرة والمقالة والمذكرات والسيرة الذاتية، وهناك من يعتبر جميع الأعمال الفلسفية والاجتماعية والعلمية جزءاً لا يتجزأ من الأدب أو الآداب الإنسانية. ويتميز كل نوع بقوانينه وتقنياته الخاصة.
ويستخدم الأدب العديد من الأساليب المختلفة مثل الوصف والحوار والرمزية والتشبيه وغيرها لإثارة الشعور بالجمال والمتعة الذهنية للقارئ أو المستمع.
يمتاز الأدب بقدرته على نقل رسائل ورؤى أعمق عن الحياة والبشرية، ويتناول الكُتّاب في أعمالهم الأدبية قضايا مهمة مثل التضحية والعدالة والحرية والهوية والعشق وغيرها. ويعد أداةً للتغيير الاجتماعي وللأفكار الابتكارية، ويستخدم الكتاب كلماتهم وحروفهم لبناء عوالم جديدة أو لاستكشاف واقع المجتمع والوقوف على مشاكله وتحدياته. كما أنه يعمل على توسيع آفاق الجمهور وتعزيز التسامح والتعايش السلمي بين الثقافات.
يعكس الأدب تقاليد وقيم المجتمع، ويعمل على الحفاظ على تراثه وتعزيزه، فمن خلال الأعمال الأدبية يمكن للمجتمع أن يتعرف على تاريخه وثقافته وهويته. يقول الأديب اللبناني جبران خليل جبران “لا مكان، في خريطة التقدم المعاصر، لأية أمة دون فن ودون آداب، ودون فلسفة”.
ويتطلب الأدب تفكيراً عميقاً وتحليلاً للنصوص والشخصيات، أي أنه يشجع المجتمع على التفكير النقدي وتنمية قدرات الابتكار والإبداع. وقد يعكس الأدب المشاكل الاجتماعية والسياسية في المجتمع ويقدم منظوراً نقدياً لها، فهو يشجع المجتمع على التفكير في قضاياه وتحفيز النقاش والتغيير.
ويمكن للأدب أن يجمع الناس من خلفيات مختلفة ويشكل رابطاً وحدوياً بينهم، فالقصص والشعر والروايات يمكن أن تعبر عن المشاعر والتجارب الإنسانية المشتركة التي يمكن أن يتعرف عليها الجميع، وبالتالي يعزز التعاطف والتفاهم بين الناس.يقول الكاتب الروسي تولستوي: “على الإنسان أن يكون رحيماً، لأن الرحمة تجمع بين البشر؛ وأن يكون أديباً، لأن الأدب يوحد القلوب المتنافرة”.
وعليه يعتبر الكاتب صانعاً للتغيير والمغرّد في فضاء الفكر والثقافة، حيث يمتلك القدرة على تجسيد الواقع وتحليله ومناقشته من خلال أعماله الأدبية، ويستخدم الكاتب الرواية والشعر والمسرح والمقالة وغيرها من أشكال الأدب لنقل الرسائل وإطلاق النقاشات حول المشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر في المجتمع. ويعزز المفهوم الأخلاقي والقيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية من خلال أعماله الأدبية. ويسلط الضوء على قضايا العدالة والحقوق والتمييز والاضطهاد ويواجه القارئ بواقع قاس ويحثه على العمل للتغيير. إذ يمكن أن تكون كلمات الكُتاب قوة محركة تلهم القراء والجمهور وتدفعهم نحو العمل الفعلي لتحسين وضعهم ومجتمعهم. يقول الأديب المصري طه حسين: “وما أعرف شيئاً يدفع النفس ولا سيما النفوس الناشئة إلى الحرية كالأدب”.
وفي هذا السياق، يرى المفكر عبد الله أوجلان بأن للأدب دور فعال في الثورة التحررية للكرد وشعوب المنطقة: “الأدب هو خطاب الثورة، فالثورة بدون أدب تعاني الكثير من السلبيات.. والأدب الذي لا يصل بمستواه إلى مستوى الثورة أدب هامشي وناقص”. ويضيف “يتطلب من الأدباء البحث العميق والحوار العلمي الجاد والخيال الخلاق المبدع، ليكونوا أصحاب جسارة وعشق كبيرين, ولتتحقق في شخصيات مفكرينا وأدباءنا مفاهيم العشق الكبير وعدم الانشغال بالمسائل الصغيرة والتافهة, والعمل على كشف الجوانب السلبية والإيجابية في حياة ثورتنا وواقعنا، ويجب على المرء أن لا يتغاضى عن هذه القضايا الحساسة والمصيرية، فهذا من صميم عمل الأدباء والفنانين..”.
وهكذا نجد أن الأدب يحظى بمكانة هامة في حياة البشر، فهو ليس مجرد مجموعة من الكلمات والأحرف المترابطة بشكل عشوائي، بل هو تعبير عن الإنسانية وتجربتها، ويعدّ بوابة إلى عوالم مختلفة واختلاف التجارب والمشاعر التي قد يواجهها الأفراد في حياتهم. لذا، يمكن القول بأنّ الأدب يؤثر بشكل كبير في الحياة وتشكيل البشر والمجتمعات.
تخيلوا عالم إنساني بدون الآداب! ماذا لو خلت البشرية من أية أعمال أدبية؟! ماذا لو لم يكن عند اليونان ملحمتي “هوميروس” و”الألياذة” وماذا لم يكن عند العرب “الشعر” و”المعلقات الشعرية”؟! ماذا لو لم يكن لدى الكُرد كل من ملايي الجزيري وأحمدي خاني وجلادت بدرخان وجكر خوين، وحتى المفكر المعاصر عبد الله أوجلان..
ألم يأتي كل الكتب السماوية والدينية المقدسة على شكل وهيئات أدبية، حتى أُعتبر بعضها من أفصح وأمتن الأشكال الأدبية في التاريخ.
وحتى الأطفال يمكنهم الاستماع إلى الأناشيد والقصص والحكايا – وكلها تعابير وأشكال أدبية- والتي تؤثر في نشأتهم، وتترك أثراً في منظوماتهم الأخلاقية حين يكبرون.
باختصار; الأدب هو منظومة أخلاقية وجمالية وخزينة روحية وذاكرة تاريخية وأداة ثورية بالنسبة للشعوب والمجتمعات.
ولأهمية موضوع «ماهية الأدب وأهميته»، فقد ارتأت هيئة التحرير في المجلة اعتمادها كملف للعدد الجديد (20)، إضافةً إلى أن العدد يحتوي على مواضيع ونتاجات أدبية أخرى قيمة، راجيةً من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.