افتتاحية العدد (15): التأليف الأدبي في شمال وشرق سوريا
أحدثت الثورة التي انطلقت في تموز 2012 تغييرات جذرية في كافة مناحي الحياة العامة في شمال وشرق سوريا ومنها الواقع الأدبي والثقافي، إذ كان النشاط الأدبي قبيل عامي 2011-2012م يمارس في حدوده الدنيا نتيجة فرض الضغوط وممارسة حالة من القمع والتهميش على الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي عموماً في البلاد. وثمة كثير من الأدباء والمثقفون اعتقلوا وخُضعوا للتحقيق أو سُجنوا جراء ممارستهم أنشطة ثقافية وأدبية. في تلك الفترة كان من النادر أن ترى على سبيل المثال كتاباً باللغة الكردية أو كتاباً عن الكرد والقضية الكردية في المكتبات العمومية، بل كان هناك حظر على النشر باللغات الأم كالكردية والسريانية خاصة.
تغير كل ذلك بعد انطلاقة الثورة وجرى اهتمام بشكل كبير على مسألة اللغات الأم وتداولها بشكل رسمي، ومع مرور الوقت أخذت الحياة الأدبية تأخذ منحىً تنظيماً أكثر خاصة بعد تشكيل هيئات الثقافة في الإدارات الذاتية في أقاليم روج آفا وشمال وشرق سوريا، وتأسيس وفتح المطابع الحديثة ودور النشر ولجنة الأدبيات واتحادات الكتاب والمثقفين والأكاديميات الأدبية والبحثية وتنظيم المهرجانات والمسابقات الأدبية وإصدار المجلات الأدبية والصحف العامة، كل ذلك أدى إلى فتح الأبواب أمام الكتاب وإلى تنشيط حركة التأليف الأدبي محلياً.
يوجد لجنة أو ديوان أدبي متخصص لتقييم الكتب مرتبطة بهيئة الثقافة في الادارة الذاتية الديمقراطية، ولكن ليس كل المؤلفات يمر من خلاله لأن هناك دور نشر ومكتبات ومطابع خاصة تعمل أيضاً في مجال النشر والمطبوعات.
يطبع معظم الكُتاب الذين يعيشون في روج آفا وشمال شرق سوريا مؤلفاتهم من خلال دور النشر والمطابع والمؤسسات الأدبية المحلية، وكجزء من سياسة دعم وتشجيع الكتاب والمؤلفين من جانب الجهات المعنية يتم طباعة الكتب وتوزيعها دون أي ترتيبات مالية من جانب الكُتاب، فيما ينشر عدد قليل جداً من المؤلفين كتبهم في المطابع والمكتبات الخاصة على نفقتهم الخاصة. وإجمالاً هناك المئات من الأعمال الأدبية التي تم نشرها في السنوات العشر الماضية (قرابة 700 عمل أدبي باللغتين الكردية والعربية في الرواية والقصة والشعر والدراسة والمذكرات …الخ) بعضها ذو قيمة.
وفي سياق تشجيع حركة النشر والتأليف الأدبي أيضاً يُنظم سنوياً مهرجانات ومسابقات وجوائز أدبية ومعارض الكتب في شمال وشرق سوريا، وأصبحت المؤلفات المحلية (عبر دور النشر) تجد مكانها في معارض الكتب الخارجية وخاصة في العالم العربي، كما نَشطت حركة الترجمة إلى حد ما في المنطقة وأُنشئت لهذا الغرض مركز متخصص للترجمة، كما يساهم بعض من المشاريع الخاصة ودور النشر المحلية إلى درجة كبيرة بتطوير حركة الترجمة. وأُنشئت أيضاً مكتبات عامة وخاصة تهتم باقتناء وبيع المؤلفات الأدبية المحلية والخارجية. إضافة إلى المكتبات التي افتتحتها مراكز الثقافة في جميع الأقاليم والمناطق، ناهيك عن توفير مكتبات صغيرة في جميع المؤسسات الرسمية للإدارة الذاتية.
اتحادات الكتاب والمثقفين والمؤسسات الثقافية الأخرى أيضاً لها دورها في حركة التأليف الأدبي من خلال تشجيع الكتاب وتبني نتاجاتهم، إضافة إلى ظهور المنتديات والصالونات الأدبية وطاولات القراءة. كما يساهم الإعلام في النشر الأدبي والتعريف بالكُتاب من خلال المجلات الأدبية المتخصصة والصحف المحلية والقنوات التلفزيونية والإذاعية. ولا ننسى هنا دور الجامعات والأكاديميات التي افتتحت خلال السنوات العشر الأخيرة والتي تسعى لتخريج كفاءات أدبية ولغوية أكاديمية.
يمكن القول إن الحياة الأدبية باتت تترسخ رويداً رويداً في شمال وشرق سوريا، لكن دون الوصول إلى مستوى يمكن وصفها بالثورة أو النهضة الأدبية الحقيقية، ويعود سبب عدم تطورها السريع أو وصولها إلى مستوى عالٍ حتى الآن إلى جملة من العوامل بينها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وقلة الكفاءات الكتابية والضعف المهني العام للمؤسسات الأدبية والثقافية رغم تعددها، وعدم تطوير الكتاب المحليين لذواتهم الأدبية والثقافية والفكرية، وضعف الإلمام بتقنيات الأجناس الأدبية، وقلة مطالعة وقراءة الكتب.
ولأهمية حركة الـتأليف الأدبي في النهضة الحضارية والثقافية العامة لشمال وشرق سوريا، فقد ارتأت هيئة التحرير في المجلة اعتمادها كملف للعدد الجديد (الخامس عشر)، إضافةً إلى أن العدد يحتوي على مواضيع ونتاجات أدبية أخرى قيمة، راجيةً من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.