أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

وسادة شريرة ــ عبد العزيز دياب

عبد العزيز دياب

 

يمكننا تجاوز الحديث عن الوسائد التي تناحرت في جوف الليل بطرق تقليدية تجاوزت الشبيحة في رفعهم للسيوف والخناجر، تشاجر عنيف دون التحام، دون جرح واحد أو إسالة نقطة دم واحدة، البطل فقط هو القطن المنتوف الذي تفتح من جوانبها المترهلة، أما عن رقصة “التانغو” التي أدتها وسادة ذات لون بنفسجي في جوف الليل في حضور كل مفردات الحجرة يمكن تجاوز الحديث عنها هي الأخرى، وعن كل حركات التحرش التي كانت ليلتها.

كل ذلك يمكن تجاوزه أمام ما توصلت إليه – بخصوص الأحلام- من تصنيف دقيق للوسائد في بيتي: الوسادة الصفراء المخملية تمنحني فرصة حقيقية للسفر- داخل الحلم طبعاً- عن طريق عربات القطار السياحي، وثمة نادل في كل مرة يترك أمامي مجلة أتصفحها بملل، فأكتشف أن بها صورتي وأنا في ريعان شبابي، أخرج من الحلم ولا أعرف لأي سبب قامت المجلة بنشر صورتي.

أما الوسادة الحمراء المنتفخة بشكل مبالغ فيه، بمجرد أن أضع رأسي عليها، أجدني في حانة وأنا أعاني من حالة سكر تجعلني أتطوح وأهذى بكلمتين: تَكَاثَرَ الذباب… تَكَاثَرَ الذباب يا ولاااااد الكلب، بعدها تنتابني لحظة إفاقة كاشفة، فأرى أن ضحكات الرفاق سخية ورجراجة، فأحلم أنني كنت أحلم ولا أصحو من نومي.

كل وسادة تضعني في حلم لا يتغير، وإن كانت تشوبه تغيرات ليست جوهرية، إضافات غير مخلة تعتري مجريات أحداثه، أو تآكلها دون أن تتغير أو تهتز رسالته، كل وسادة لها حلمها.

وسادة واحدة من وسائدي هي التي تضعني داخل كابوس مزعج رهيب بمجرد أن أضع رأسي عليها، هي الوسادة الزرقاء المهترئة، قمت باستبعادها تماماً بعيداً عن متناول يدي، في المرة الأخيرة كاد الكابوس أن يقتلني، وذلك الرجل الذي يحمل بيمينه سكين شرسة لامعة تخطف الروح يتصدى دائما لقتلى، لا أكون بعيداً عنه، إنما أكون في قبضته العفية، عيناه ضائعتان وعضلات وجهه تختلج، لا أعرف بأي شكل كانت ستعمل السكين في جسدي لأن يقظتي الحميدة انتشلتني من جبروته.

لا يتغير الكابوس، لا إضافة لأحداثه، غير أن عيني الرجل في مرة أخرى من حضور هذا الكابوس تكون أكثر ضياعاً، وعضلات وجهه التي تختلج تكون أكثر انتفاخاً، فها أنا أكتفي بتجنب هذه الوسادة الزرقاء المهترئة، ولأنني على يقين تام بأن فنجان القهوة يمنحني أفكاراً عبقرية أحل بها أزماتي فقد شكلته على نار هادئة، وضعته أمامي على الطاولة في الشرفة، وأنا أمتص سيجارة امتصاصاً جميلاً أوصلني إلى الفكرة الشيطانية بأن أهدي وسادتي المهترئة إلى صديقي اللدود، الحسود ميكافيللي النزعة، شيطاني الفكر والتوجه، صاحب المؤامرات الدنيئة والحيل الرخيصة، ربما جاءه نفس الكابوس، وربما قتله صاحب السكين قبل أن يصحو من نومه.

ولكي يقبل مني الوسادة الزرقاء المهترئة، قمت بتزيينها وصقل ملامحها، تقبلها مني قبولاً حسناً، وأنا أعرف أن الثعابين ترمح برأسه إلى أن يعرف لماذا وسادتي صارت هدية له.

التجربة العملية هي الحكم، والمعيار، والمقياس، والكلمة الأخيرة، إيمانه بذلك لا يقل عن كراهيته لنفسه والمجتمع والناس، ليلتها وضع رأسه على الوسادة ورأى ما رأى، لكنه خرج من حلمه سليماً معافى، طيب الأنفاس.

جاءني يزف تفاصيل حلمه، الكابوس صار حلماً، قال: أهديت سكيناً مصقولة ولامعة لرجل كريه، عيناه ضائعتان، وعضلات وجهه تختلج، ترجرجت صورته في الحلم، كان على عجلة من أمره ويود مغادرة المكان.

سألته: إلى مكان تود الذهاب؟

لم يرد علي، لكنه كشف عن نفسه عندما كان يهبط بنصل السكين على صدرك، تأملني كثيراً قبل أن يقذف بسؤاله في حجري: هل استطاع قتلك؟