أدبية ثقافية فصلية تصدر باللغتين العربية والكردية

افتتاحية العدد (10): في أهمية المسرح “أبو الفنون”

 

يعد المسرح أحد أبرز الأشكال الفنية التعبيرية عن المشاعر والأفكار الإنسانية وذلك من خلال الكلام والحركة ومؤثرات أخرى. ويعرف بـ “أبو الفنون” لأنه يجتمع فيه جميع الفنون الأخرى في تناسق وتناغم “العمارة المتمثل بالديكور وصالة العرض، الموسيقا أو الغناء، الرسم أو الفن التشكيلي المتمثل بتصميم الملابس المسرحية وغير ذلك، الشعر أو النص المسرحي أي الكلام، الرقص أو الحركة…”، فالعرض المسرحي ليس نتاج عقل واحد، وإنما مجهود عدد من الفنانين في مختلف الاختصاصات الفنية.

والفن المسرحي له أهميته الكبيرة في تقدم الأمم ورقيها الحضاري، وهو أداة تنويري ونقدي وتنشيطي للفكر والثقافة، وإبراز قضايا ومشكلات المجتمعات والشعوب وطرح الحلول المناسبة لتلك القضايا، وإضافة إلى ذلك هو أداة للترفيه أيضاً. ويعود تأثيره على الرأي العام إلى حالة الالتحام المباشر بين الجمهور والممثلين على خشبة المسرح، حيث يجسد هؤلاء الممثلون مشاهد من التجربة الإنسانية.

وللفن المسرحي خصائص تميزه عن الفنون الأدبية الأخرى، وأبرزها أن العمل المسرحي يحول نصاً مكتوباً على شكل حوار -غالباً ما تحمل رسالة تنويرية إلى المجتمع- إلى حياة تبث به الروح من خلال ممثلين يحولون الأحداث المكتوبة إلى عرض حي ومعاش ضمن مكان وزمان محددين وبحضور جمهور من أفراد المجتمع. ويتميز الخطاب المسرحي بالبعد الدلالي والرمزي من خلال الإيحاءات والإرشادات والتوجيهات التي تحملها العرض المسرحي من خلال عناصر العمل فيه.

وللبناء المسرحي عناصر عديدة وهي: النص أو الفكرة (الموضوع)، الحبكة (التسلسل المترابط لأحداث العرض المسرحي)، الشخصيات (الممثلين)، الحوار (الأسلوب الخطابي المستخدم بين شخصيات المسرحية)، المشهد أو الديكور (الأجواء المرئية للمسرحية من أزياء ومؤثرات وغيرها)، الموسيقا (المؤثرات الصوتية)، الإضاءة، الإخراج المسرحي (الإشراف العام على تنفيذ العمل المسرحي ومحركه الأساسي).

وتتعدد أنواع المسرحيات حسب القضايا المتناولة والأهداف التي تتضمنها وأسلوبها ومنها: التراجيدية (المأساوية)، الكوميدية (الملهاة)، الغنائية، التاريخية، التجريبية (القصصية)، الشعرية…الخ.

ويرتبط نشأة المسرح في العالم بالأساطير والاحتفالات والطقوس الدينية لدى الحضارات والشعوب القديمة وخاصة لدى الفراعنة المصريين والإغريق. وقد بحث الفيلسوف اليوناني أرسطو في الفن وألف كتاباً عن سماته وخصائصه أسماه “فن الشعر” الذي أصبح مرجعاً للمسرح الكلاسيكي. وفي عصر النهضة الأوروبية ازدهر المسرح، حتى أنه تفوق على باقي الأشكال الأدبية الأخرى. ثم استمر تطور المسرح حتى القرن العشرين، إذ ظهرت أنواع جديدة للمسرح حتى وصل إلى شكله المعروف في وقتنا الراهن.

وفي الشرق الأوسط عرف شعوبها المسرح في مختلف العصور بأشكال متعددة “المهرجين، الحكواتي، الكركوز…”، أما المسرح بشكله الحديث فقد عرفوها على إثر احتكاكهم بالثقافة الغربيّة بدءً من القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث اقتبس اللبناني “مارون النقاش” هذا الفن من الغرب في مسرحية “البخيل” لموليير سنة 1847م، وتأسست عدة فرق مسرحية في لبنان وسوريا ومنها على يد السوري أبو خليل القباني، وانتقلت من هناك إلى مصر، وكانت أغلب المسرحيات العربية مقتبسة أو مترجمة من اللغات الأخرى أو منقولة من القصص الشعبية العربية. وفي النصف الثاني من القرن العشرين انتشر المسرح في العالم العربي انتشاراً كبيراً.

ويعود تاريخ المسرح الكردي إلى بداية القرن العشرين عندما قام بعض المسرحيين الكرد محاولة ترجمة الأساطير الكردية المعروفة مثل (ممي آلان) إلى أعمال مسرحية، وكذلك محاولة ربط الفلكلور الكردي وتراثه بالعمل المسرحي. وكان أول نص مسرحي كردي لعبد الرحيم هكاري في عام 1919. وقد أدخلت الحركة التحررية الكردية في النصف الثاني من القرن العشرين عروضاً مسرحية قصيرة كجزء أساسي لبرامجها في احتفالات عيد النوروز كشكل من أشكال التوعية القومية للجمهور الكردي.

أما المسرح السرياني فتشير المعلومات إلى أن ولادته كانت عام 1880 حين قدّم عدد من القساوسة أول عمل مسرحي باللغة العربية بعنوان (آدم وحواء) في دير الآباء الكهنة السريان في الموصل، أما أول عرض لمسرحية سريانية كان في مدينة ألقوش شمال الموصل قدّمه القس استيفان كجو في عام 1912 وقد تناولت قصة الملكة إستر المقتبسة من الكتاب المقدس.

وفي شمال شرق سوريا ومنذ الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في عام 2014م تزايد الاهتمام بمختلف المظاهر الفنية والثقافية ومنها الفن المسرحي، فتشكلت مراكز الثقافة والفن ومديرية المسارح ضمن هيئة الثقافة والتي أصبحت تشرف على بناء الفرق والكوادر المسرحية وإقامة المهرجانات المسرحية السنوية.

ونظراً لأهمية الفن المسرحي ودوره في النهضة الفكرية وتطور الفن والثقافة، فإننا في هيئة تحرير مجلة شرمولا تناولناه بشكل جدي واعتمدناه كملفٍ للعدد العاشر، إضافةً إلى أنّ العدد الجديد يحتوي على مواضيع ونتاجات قيّمة من دراسات وترجمات ومقالات وقصص…الخ، راجين من القراء الأعزاء الاستفادة القصوى والفائدة المرجوة.