فضلات الحروب ــ عبد الرحمن العلي
سأسألها أين كانت؟! مع أنّي أعلم أين قضت الثلاث ليالي الفائتة، لقد رن هاتفها حينما دخلت للاستحمام وهي تهيئ نفسها للسفر، فتحت الهاتف فوقعت عيني على رسائلها الأخيرة والتي على ما يبدو نسيت محوها.
عرفت سبب غيابها المتكرر عن البيت بالسنة الأخيرة.
أنا يائسة فعلاً.
أشعر بأنَفاسي تختنق وأنا أفكر بهذا الحال الذي وصلنا إليه .
والدتي والتي جاوزت الخمسين تبيع جسدها لأجل المال.
ـ أمي، أين كنت؟!
ــ كنت في طرطوس عند صديقة قديمة.. إنَّها امرأة طيبة.. لقد عادت من الخليج وحالتها المادية جيدة.. لقد بعثت لك بهاتف حديث، وحين علمت بمرض أختك.. أصرت أن تعطيني مبلغا جيدا من المال.
كنت أنظر إليها وأتمنى أن أصرخ بوجهها، وأقول لها: أرجوك أمي لا تشرحي.. لا تتعبي نفسك.. أنا أعلم كل شيء.
خرجت من البيت.. أسندت ظهري على جذع شجرة السنديان ليتيه نظري بعيداً.. إنه يتجاوز الغابات والأحراش ليصل إلى البحر الذي كان نائماً.. غير مكترث لحالي .
رغبة كبيرة عندي أن أركبك أيها البحر وأترك هذه البلاد التي أكلتها الحرب، ثمان سنوات غيرت كل شيء فينا.
معقول.. معقول، أمي تبيع جسدها لأجل لقمة العيش، أحاول أن أجد لها العذر، أتفكر بالذي دفعها لما هي به.
لقد مات والدي منذ عشرين عاماً .. سكنت مع أمي وأختي في ملجأ بناية تخص أخوالي .
أخوالي هم (ضابط بالجيش ومعلم مدرسة وموظف)، كانوا لنا عوناً وسنداً.. لكن الحرب.. آه من الحرب ..لم تعد معوناتهم موجودة.. هم بالكاد يسيرون أمور أُسرهم ونحن ثلاث نساء واحدة منا مريضة وتحتاج لتكاليف كبيرة للعلاج.
لقد تخرجت منذ ثلاث سنوات من كلية الآداب (قسم التاريخ). علقت شهادتي على الجدار وبدأت أعمل أعمالا متنوعة.. بدلت عملي عشرات المرات، أتعرض دائما للتحرش وكلهم يريدون جسدي.. عملت بإحدى المرات سكرتيرة عند محامي وطني، يخرج على شاشة التلفزيون السوري ليتكلم عن الشهداء والصمود.. بمعجزة استطعت أن أحمي نفسي منه وتركت عملي عنده وأكل جزءاً من راتبي.
أتخيل نفسي وأنا أمسك بربطة عنقه وأخنقه وأقول له: أيها الزنديق الكاذب، كلامك وخطابك جعل أخت العقيد بالجيش تبيع جسدها..
ما نفع أن أحافظ على جسدي وجسد أمي يباع لأجلي .